الجمعة 8 نوفمبر 2024| آخر تحديث 10:42 10/31



توفيق بوعشرين:كلما ازدادت شعبية بنكيران نقصت عنده مناعة مقاومة الضغوط التي يتعرض لها

Abdelillah-Benkiraneفي جميع دول العالم تتقوى الحكومات ويشتد عودها، وترتفع وتيرة عملها كلما ارتفعت أسهمها في الاستحقاقات الانتخابية، وكلما منح المواطنون ثقتهم للحكومة شعرت بالقوة والفعالية، والعكس صحيح… هذه القاعدة لا تنطبق على المغرب وعلى حكومة بنكيران، للأسف الشديد، كلما ارتفع عدد الأصوات الانتخابية التي يحصل عليها حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة، نزل سقف مقاومة عبد الإله بنكيران للتحكم والاستبداد والفساد… وكلما ازدادت شعبية بنكيران نقصت عنده مناعة مقاومة الضغوط التي يتعرض لها، وكلما ربح مترا في الساحة الانتخابية خسر أمتارا من صلاحياته في الوثيقة الدستورية.
إليكم بعض الوقائع الدالة على هذه الملاحظة من يوم إجراء انتخابات الرابع من شتنبر إلى الآن، حتى لا نرجع بالذاكرة إلى ما قبل ذلك، فيبدو أن ذاكرة السياسيين قصيرة جدا، وأن التذكر هو أكبر تمرين يتعب من يوجد في السلطة اليوم.
منذ إعلان نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية، التي حصل بموجبها الحزب على المرتبة الأولى في عدد الأصوات وفي كبريات المدن، وهو يتعرض لضربات قاسية وبعضها تحت الحزام، لكن دون رد ودون مقاومة، ودون خطة ودون ممانعة تتقدم عن طريقها تجربة التحول الديمقراطي في البلاد.
وقف بنكيران يتفرج على «خيانة حلفائه» في حزبي التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية، حيث تحولت الحمامة والسنبلة إلى وقود في خزانات الجرار الذي حصد رئاسة خمس جهات، ولولا خوفه من رد فعل الشارع لكان قد استولى على أكثر من ذلك. لقد جرت سرقة موصوفة لأصوات الناس من قبل الناخبين الكبار، فيما ظل بنكيران في مقر حزبه يتأسف على ظلم ذوي القربى!
عندما أحس حميد شباط بأن الدولة العميقة تخلت عنه، وأن رهانها الأول على البام وليس على غيره، وحينما بدا الانزعاج على زعيم الاستقلال، تحركت وزارة الداخلية بسرعة لتأديبه، وجرى تسريب فقرة كاملة من مداخلة محمد حصاد في المجلس الحكومي إلى الصحافة، وفيها اتهامات خطيرة لشباط بابتزاز الدولة، ولم يرفع أحد صوته بالقول إن مداولات المجلس الحكومي سرية، وإن اتهام زعيم حزب سياسي في هذا التوقيت ليس بريئا والمسلسل الانتخابي لم ينته بعد.
لما شعرت الجهات إياها بأن خروج حزب الاستقلال من المعارضة «البامية» إلى المساندة النقدية سيخلط الأوراق، وسيفك العزلة عن «البي جي دي»، تحولت اللجنة الحكومية لتتبع الانتخابات إلى محكمة تصدر أحكاما غيابية على منتخبين جرى التشهير بهم في الإعلام والتلفزة الرسمية، واتهامهم على الهواء مباشرة بالتورط في شراء أصوات انتخابية… هنا نسي الجميع قرينة البراءة وشروط المحاكمة العادلة، ومبدأ فصل السلط الذي لا يعطي لجنة تنفيذية سلطة قضائية على أحد.. هنا أيضا التزم رئيس الحكومة ووزير العدل والحريات الصمت، وتركا شباط في «الكوليماتور» يؤدي ثمن قلب الطاولة على البام.
في هذه الأجواء الساخنة جرى منع المؤرخ والناشط الحقوقي، المعطي منجب، من السفر، وجره إلى تحقيقات سياسية باسم القضاء، وهنا أيضا التزمت الحكومة الصمت، وتُرك المؤرخ لمصيره يواجه الموت إضرابا عن الطعام، ولولا ضغط الحقوقيين في الداخل والخارج على صورة المغرب، ولولا تحرك الإعلام الدولي لنصرة باحث عرف بجديته وجرأته لكان المعطي اليوم تحت التراب بعد أن وصل إضرابه عن الطعام إلى حد تهديد حياته. هنا لم يظهر للحكومة أنها تنتج التحكم أو تسكت عليه.
في واقعة أخرى تدل على المس باستقلالية القرار الحزبي وترسيم سياسة تأميم شؤون الأحزاب، قبل بنكيران عزل عضو الأمانة العامة للحزب، عبد العلي حامي الدين، من رئاسة فريق الحزب في مجلس المستشارين بعد أن انتخبه زملاؤه في الفريق، وبعد أن وافقت الأمانة العامة على هذا الانتخاب، كما تنص على ذلك مساطر الحزب.. بدعوى وجود ضغوط سياسية. قبل بنكيران الخضوع للضغوطات لأن السياسة، على حد زعمه، كلها ضغوطات، لكنه نسي أن السياسة هي أيضا مقاومة ومناعة ونضال وتشبث بالمبادئ، وصبر على الإكراهات حتى تتقدم العملية الديمقراطية في بلاد لها تقاليد عريقة في مقاومة الإصلاح.
ثم جاءت نازلة المادة 20 من مشروع قانون المالية، حيث استحوذ وزير الفلاحة على صلاحيات رئيس الحكومة خارج الدستور وخارج القانون. ولأن بنكيران تصور أن المشكل كله يتلخص في نشر الصحافة وقائع هذه الفضيحة السياسية وليس الفضيحة في حد ذاتها، فقد بلع مقلب تغيير الآمر بالصرف في أكبر صندوق خاص لتنمية العالم القروي، وأعطى أخنوش وبوسعيد الإذن بمقاضاة مدير هذه الجريدة لأن الوزيرين يريدان نقل المعركة مع بنكيران إلى القضاء، في محاولة للحصول على حكم قضائي يبرئ ساحتهما السياسية، لكن أخنوش ليس مواطنا عاديا لينتظر حكم القضاء.. لقد مر إلى الانتقام الاقتصادي من المقاولة التي تنشر الجريدة، في محاولة لإخراس صوتها وإغلاق أبوابها، فهو من أكبر الناشرين في المغرب، ويعرف فعالية سلاح الإعلانات في الإجهاز على مقاولات الصحافة الهشة أصلا.
الأصوات الانتخابية أداة لتقوية الديمقراطية، وعندما يتحول النصر الانتخابي إلى ضريبة يؤديها الفائز الخائف على مقعده، فإن الديمقراطية هي التي تخسر (هل مازال أحد من وزراء الحزب يتذكر وثيقة التغيير الديمقراطي التي صادق عليها المؤتمر الأخير؟). إن هوية الحزب، أي حزب، تتغير بالممارسة وليس بالخطاب.. غدا سيأتي جيل جديد تربى في هذا المستنقع البراغماتي وسيطبع مع الاستبداد، وربما يصير جزءا منه.







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.