الخميس 14 نوفمبر 2024| آخر تحديث 1:29 02/21



مبروك لمحمد حسني وزين العابدين، و’’ العكوبة ‘‘ لشي وحدين

يبدو أن آخر المتفائلين بمستقبل الأوطان العربية في العصر الراهن لم يكن ينتظر أن يأتي يوم تتحرك فيه المياه الراكدة مند عقود من الزمن، وتنقلب فيه الأمور رأسا على عقب، وينقلب فيها السحر على الساحر.

فهل كتب لقصيدة أبو القاسم الشابي ’’ إرادة الحياة ‘‘ أن يرددها الملايين من المواطنين، ثم يترجمونها من مجرد حبر على أوراق إلى أرض الواقع، بعدما انكسرت القيود واستجاب القدر الذي لطالما أبى إلا أن يسير مع الحكام في سيرورة واحدة.

وأن تتخيل يوما ما أن رئيس دولة تسقطه ’’ كروسة ‘‘ يدوية لبيع الخضروات، وتطرده هو وزوجته البورجوازية بعيدا عن أهلهما وقصورهما ومشاريعهما، وتسلب منهما بحبوحتهما ورغد عيشهما، وما ألفاه من نعيم دنيوي، وأن تزيح ’’ فرعون ‘‘ الألفية الثالثة من سدة الحكم بعدما تبث فيها الأوتاد وأحكم قبضته عليها فذلك عاشر المستحيلات لا سابعها فحسب.

الحقيقة أن النصر لم يكن حليف ’’ كروسة ‘‘ البوعزيزي، بل هو حليف البوعزيزي، الشاب العاطل عن العمل الذي ضحى بنفسه واحرق جسده النحيف احتجاجا على بطالته ورغبة منه في محاربة الظلم الذي ساد في عاصمة ’’ قرطاج ‘‘ مند 23 سنة،  وحليف من سار على دربه ورفع لافتة النضال ضد الديكتاتوريات التي تغتال و تغتصب ممتلكات أبناء جلدتهم المستضعفين،  ثم يقبلون عليهم في خطب رقيقة الغرض منها تأتيت ديكتاتوريتهم وجعلها تبدوا أكثر أناقة.

ما حدث في الجارة تونس وفي أرض الكنانة مصر لم يكن وليد الصدفة والتلقائية،  بقدرما هو تناج ضغط فرض على الشعبين وولد انفجارا ضخما، نزل على الأنظمة المستبدة بركانا وعلى الشعب المقهور بردا وسلاما.

البلدان العربية يعيش أغلب سكانها تحت خط الفقر، حتى إن الخبز أصبح عند أبناء بعضها صعب  الإدراك و المنال،

و لأن الديمقراطية كما هو متعارف عليها هي حكم الشعب نفسه بنفسه، فقد تأتى للمواطن العربي – أقصد التونسي والمصري – تأتى له أن يعيش في كنف الديمقراطية ولو ليوم أو أيام، لآني لا استبعد أن تعود حليمة إلى عادتها القديمة، ما دام البيت الأبيض هو من يدير شؤون البيوت العربية في مشارق الأرض ومغاربها، فالثورات يصنعها الأحرار ثم ترثها الحكومات الفاسدة لتعبث من جديد بمصالح العباد، و ’’ إلى مشى حمد يجي حامد ‘‘.

المهم أن ’’ بن علي ‘‘رحل والتحق به ’’ مبارك ‘‘، الاسمان اللذان  دأبت الأذان سماعهما مند سنين عدة، فالأول مازلت أحتفظ له بصور تعود لسنوات التسعينيات أهداها لي حينها رجل كان يعمل هناك، بحكم أن العديد من أبناء المنطقة يعملون هناك كحراس لمنازل الشخصيات البارزة، وقد نالت إعجابي حينها، يظهر فيها شابا أنيقا وهو يحيي شعبه بيده اليمنى راسما ابتسامة عريضة على فمه.

من الطبيعي جدا أن يكون الحكام العرب شبابا وفي غاية الأناقة رغم أنهم بلغوا من الكبر عتيا،  فهم يعتبرون المتصرف الوحيد في ثروات شعوبها يفعلون بها ما يشاؤون،  فزين العابدين و محمد حسني  و ’’ شي وحدين خرين ‘‘ يظهرون على شاشاتنا الصغيرة – مند أن ظهر التلفاز في المغرب – كأنهم أبناء العشرينيات، لكن واقع الأمر أنهم في واقع الأمر عجزة، صغيرهم فاق السبعين.

و لو كان المطرودان  يدريان حينها أية فاجعة تنتظرهما، وأنهما سيتحولان بقدرة قادر من أسياد إلى عبيد، سيقتلان نفسيهما شنقا وهما ينشدان أبيات المعتمد بن عباد التي كتبها في سجنه بأغمات :

من بات بعدك في ملك يسر به….إنما بات بالأحلام مغرورا

بمعنى أن كلمة الفصل ليست دائما للحكام رغم جبروتهم وعنادهم، و إنما هي للشعوب، فقد تنقلب الآية بين عشية وضحاها، ويصبح الحاكم وحكمه وقصوره العاجية في خبر كان.

والواضح أن المعتمد بن عباد و زين العابدين بن علي ومحمد حسني مبارك تتشابه قصتهم إلى حد بعيد، فقط أن الأول رحل من بلده عن طريق حاكم آخر اسمه يوسف بن تاشفين، أما الآخرين فقد رحلهما الشعب الثائر الذي أعيته الوعود الكاذبة و انتظار غد أفضل.

ما أضحكني صراحة في ثورة الياسمين بتونس وفي ثورة الشعب المصري أن حاكميها الساحرين اللذان انقلب عليهما سحرهما في غفلة منهما، وككل الحكام العرب يرفضون مغادرة كراسيهم الفخمة بسهولة، ولا يسمعون أنين الضعفاء، ولا يصل صوت الشعب إلى آذانهم  إلا عندما يبلغ بهم السيل الزبى، فبن علي وعائلة ’’ الطرابلسي ‘‘الذين نالوا حصة الأسد من ثروات البلاد، بل نالوا الأسد كله إن صح التعبير، اعتبروا غضب الشارع مجرد سحابة ما تلبث أن تتلاشى لتعود المياه إلى مجاريها، لكن إرادة الشعب كان كان لها رأي آخر، الشيء الذي أرغم سعادة الرئيس أن يطل في التلفيزيون الرسمي، ليقول لمواطنيه بأنه ’’ فهمهم ‘‘ وأنه أمر الحكومة بتخفيض أثمنة المواد الاستهلاكية وتوفير فرص الشغل والاهتمام بالمواطن التونسي وغيرها من الصباغات، لكن فهم الرئيس متأخر جدا، وكان من المفترض أن يكون في السنين الكثيرة التي ساد فيها الطغيان، وفوتت على الشعب فرصة العيش الكريم، بعيدا عن غطرسة بن علي وزوجته المدللة.

الشيء نفسه وقع في مصر مع السيد مبارك الذي وضعته واشنطن وتل أبيب في منطقة لها حساسية كبيرة في العالم، وذلك لضمان بقائهما وسلامتهما، وأن يتأتى لهما التصرف في منطقة الشرق الأوسط على هواهم.

وفي اعتقادي فإنهم لن يجدوا رجلا أكرم من هذا الرجل العجوز،  الذي يضخ لهم يوميا أطنانا من الغاز عبر قناة السويس بربع الثمن الذي يبيعه به للشعب المصري ولباقي الدول،’’ خبز الدار ياكلوا البراني ‘‘ كما يقول المثل المغربي.

شيء طبيعي أن تغضب إذن تل أبيب وتتحسر لخروج قطبين كبيرين من أمثال بن علي الذي اعتبروه من أكبر الداعمين لها سرا مباشرة بعد ما حلقت طائرته، ومبارك بعد الذي يعتبر الورقة الأولى التي تراهن عليها في منطقة الشرق الأوسط.

وإذا كان بن علي أكبر الداعمين لإسرائيل وواشنطن سرا، فالشيخ الكهل مبارك يعتبر أكبر الداعمين لهم جهرا، ولا شك أن الكل يتذكر الحرب العدوانية التي شنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة، أوليس مبارك هو اليد اليمنى لتل أبيب حينها نهار جهارا؟ أو ليس مبارك من أغلق معبر رفح ومنع وصول الإمدادات لمنكوبي القطاع؟ أوليس مبارك من قمع المظاهرات المناهضة للكيان الصهيوني حينها في معظم المدن المصرية؟.

وحسب خبراء فالثورة التونسية والمصرية سيكون لهما صدى إقليمي، بمعنى أن ما حدث في تونس وفي مصر لا محال سيحدث في واحدة من الدول العربية أو أكثر، فالدور على من ياترى؟ هل اليمن الذي رشحه الكل بقوة، بحكم أن علي عبد الله صالح لا يقل عنادا وعبثا من مبارك وبن علي، أم أن الدور دور الجماهيرية التي تدخل عليها مليارات الدولارات ومع ذلك تعيش كأنها أفقر دولة في أفريقيا لا لشيء فقط لأن حاكمها العبقري الذي يغرد دائما خارج السرب، والذي يطلق على نفسه قائد الثورة، يغتال أموال الشعب ويدسها في المؤسسات المالية السويسرية، ويبقى الليبيون في تخلف سرمدي، أم أن الدور سيكون على الجارة العدو الجزائر التي يحكم فيها الجنرالات قبضتهم على كل شيء، وهم من يختارون حكامهم ليضعوهم في قصر’’ المرادية ‘‘ ، ثم يصرفون أموال طائلة في شراء الأسلحة بداعي الإستعداد لمواجهة محتملة مع المغرب، ويوهمون الشعب بأن الجزائر لديها حسابات معها، لكن واقع الأمر أن هده الحكومة لا تعمل إلا لصنيعتها ’’ البوليساريو ‘‘، وتعمل كذلك لإبقاء المشكل قائما، لان ذلك يخدم مصالح ’’ العسكر ‘‘، أما أبناء الشعب فأملهم تحسين الأوضاع الداخلية المزرية، وليس إدخاله في متاهات لا تغني ولا تسمن من جوع.

المغرب، بلدنا العزيز، ليس في منأى عن هذه العدوى، فالفقر والطبقية والرشوة والمحسوبية و ’’ الوجهيات ‘‘ والفساد الإداري يستشري في عدد من القطاعات الحيوية ، وامتصاص دماء المواطنين الأبرياء شيء مألوف مع حكومة يسيطر عليها ’’ آل الفاسي ‘‘ ’’ آل الفاسي الفهري ‘‘. وهذا ما حدا بمجموعة من الشباب لإعلان 20 فبراير يوما للخروج في مظاهرات حاشدة احتجاجا على تردي أوضاعهم على كافة الأصعدة.

المطالبة بالحقوق المشروعة شيء مشروع كما هو متعارف في المواثيق الدولية، لكن الاحتجاج والخروج في مظاهرات في بلدنا تحكمه أشياء أخرى، ولا يخفى على أحد أن مرتزقة البوليساريو خاصة  منهم انفصاليو الداخل لا يكادون يجدون فرصة كهذه حتى يدخلون على الخط بكل وسائلهم المتاحة، لتضليل أو محاولة تضليل الرأي العام، فخروجنا للشارع  ’’ دجاجة بكمونها ‘‘بالنسبة لهم،  وبدلك ينجب المشكل مشكلا آخر، كما وقع تماما في مخيم ’’ أكديم إزيك ‘‘ مؤخرا.

لست هنا أدعو لعدم الخروج إلى الشارع والمطالبة بتحسين ظروف العيش، وتوفير مناصب الشغل، وطرد الحكومة الفاسية التي انتشرت في مؤسسات الدولة بشكل سرطاني مخيف، لكني أخاف أن تنقلب الأمور إلى ضدها، طبعا إذا زادت عن حدها، وفي انتظار قادم الأيام والشهور يكفينا القول ’’ مبروك لمحمد حسني وزين العابدين، و ’’ العكوبة ‘‘ لشي وحدين ‘‘

 

محمد بحراني
[email protected]