قال الحسين بويعقوبي، الباحث الأنثروبولوجي المغربي، إن “بيلماون” شكل فرجوي شعبي ذكوري يعتمد على التنكر في جلد الماعز أو الغنم من طرف مجموعة من الشبان ترافقهم مجموعة أخرى تعتمد على استعمال الأقنعة وأشكال تنكرية مختلفة أخرى لتجسيد مختلف الأدوار والفئات والمهن الموجودة في المجتمع المغربي”.
وفي مقابلة مع الأناضول، أوضح الحسين بويعقوبي، أستاذ الأنتروبولوجيا بجامعة ابن زهر، جنوب غربي المغرب، “أن هاته الممارسة الثقافية تعكس سعي الانسان الأمازيغي إلى الحفاظ على هذا الطقس، والذي تتقاسمه شعوب شمال إفريقيا وجزر الكناري بمسميات مختلفة”.
وأوضح أن “الظاهرة تحمل أسماء عديدة حسب مناطق البلاد، سواء كانت ناطقة بالأمازيغية أو بالعربية في مختلف مناطق شمال إفريقيا. ومن هذه التسميات نجد “بيلماون” و “بوجلود” و”هرما” و”تمعزات” في سوس (جنوب)، و في الأطلس المتوسط (وسط) نجد “بو يسليخن”، وفي الريف (شمال) “با الشيخ”.
كما نجد لدى الناطقين بالعربية “بولبطاين” او “سبع بطاين” نسبة لعدد الجلود اللازمة لكساء الشخص الواحد.
أما في منطقة القبائل بالجزائر، فقد انقرضت هذه العادة منذ الثلاثينات من القرن الماضي فنجد أسماء “بوعفيف” و “بابا الحاج” و “أمغار أوقروش”. كما نجد ممارسة أخرى مشابهة تعتمد أيضا على التنكر و تحمل اسم “أمعشار” في جنوب المغرب و “اوداي ن تعشورت” في الجنوب الشرقي البلاد، كما نجد أيضا اسم “إمغارن ن ايض”.
ويفسر بويعقوبي على أن ” رواية ارتداء الجلود من قبل “بيلماون” يعزى إلى كون الأمازيغ يقدسون الكبش، وبما أنه يقدم قربانا في الدين الاسلامي، فإنه يذبح في الصباح، ويلبس في المساء وبعد أيام من عيد الأضحى، دلالة على إعادة الحياة للأضحية.
ويرى بويعقوبي أن “اعتقادات دينية لدى الأمازيغ، تقول إن بيلماون يستجلب بركة ما أو حسن طالع أو يطرد مكروها أو يحقق أمنية أو يجلب رزقا أو يزوج عازبة أو يداوي سقما، حينما يلمس طالب “البركة” “إيفنزي ن بيلماون” (حافر الكبش من قبل أحد أعضاء بيلماون”.
ورجح الباحث أن “يكون أصل هذه العادة مرتبط بمعتقدات قديمة في شمال إفريقيا تقدس الكبش، وإشكالية الأصل تطرح بالنسبة لكل الممارسات التنكرية المسماة “كرنفال” والموجودة في كل المجتمعات الإنسانية”.
وخلص إلى أن “بيلماون ترتبط بتمثلات الكبش لدى الامازيغ ككائن مقدس قبل الإسلام جعلته يحظى بنفس القداسة في الإسلام من خلال ذبحه في الصباح، تطبيقا للشريعة، و إحيائه بعد الزوال من خلال طقوس بيلماون وهي طقوس يحضر فيها المقدس بقوة”.
ففي الدواوير، “كان بيلماون يلبس و يخرج من أحد أركان المسجد حيث يحتمي، ثم ينطق البسملة ويستعمل الملح درءا لكل عين شريرة كما يعتقد الناس أن ضرباته تشفي المرضى و تجلب الخير (زواج لعازبة أو مولود لعاقر)، يشرح بويعقوبي.
وعن أصل ممارسة “بيلماون”، يقر بويعقوبي، أن “لا أحد يستطيع الجزم بأصولها، لكن المتفق عليه أنها ممارسة قديمة جدا قد تعود لما قبل وصول الأديان السماوية لشمال إفريقيا، و تأقلمت معها فوصلتنا اليوم رغم انقراضها في العديد من المناطق”.
وبحسب الباحث بويعقوبي، يقوم بيلماون (لابس الجلود) بالتجول في الدوار أو أحياء المدن المغربية بمساعدة فرق موسيقية شعبية لخلق البهجة و السرور في صفوف المتفرجين، وفي نفس الوقت يخلق بيلماون الذعر و الخوف خاصة في صفوف الأطفال و النساء.
وعن الدراسات العلمية حول الظاهرة، قال بويعقوبي إن الباحثين الفرنسيين أنجزوا دراسات، خلال تواجدهم بشمال إفريقيا ما بين 1830 و 1962 م، في إطار سعيهم لفهم مجتمعات شمال إفريقيا، وعلى رأسهم الباحث الفرنسي أوكيست موليراس (أواخر القرن 19) في كتابه المترجم للعربية “المغرب المجهول”.
وأكد الفرنسي أوكيست في كتابه إلى أن “هاته العادة التي يمارسها شبان مغاربة في القرى، يخرجون على شكل مجموعات تتعدى 10 أشخاص، يطوفون في الدواوير والمداشر، فيجمعون البيض واللحم والسكر”.
ولفت بويعقوبي إلى أن أطروحة الأنتروبولوجي المغربي عبد الله حمودي (مقيم بأمريكا) المنشورة بالفرنسية سنة 1988 و المترجمة فيما بعد إلى العربية بعنوان “الضحية و أقنعتها” أهم عمل حول الظاهرة، وصار مرجعا لا محيد عنه لكل مهتم.
وأبرز المتحدث أن “الأشكال الثقافية المعتمدة على القناع والتنكر موجودة في بيلماون بشكل أو بآخر، في كل المجتمعات الإنسانية، يلمها اليوم اسم “كرنفال بيلماون بودماون”.
وبحسب بويعقوبي، فقد صار كرنفال بيلماون بودماون، “فضاء للترويح عن النفس والخروج عن المألوف و كسر الطابوهات وإنتاج التصورات في شكل هزلي عن الأنا والآخر (إنسانا كان أو حيوانا).
سعيد أهمان – الأناضول
تعليقات