الخميس 14 نوفمبر 2024| آخر تحديث 6:00 10/25



“الحريك” أو الهجرة السرية إلى الدول الأوربية كظاهرة سوسيولوجية.

 

 

يعتبر “الحريك” أو الهجرة السرية من الظواهر الحديثة ، والتي عرفت تزايدا كبيرا في الآونة الأخيرة ، إلى أن أصبحت هذه الظاهرة متفشية في أوساط المداشير والقرى الصغيرة . وهنا تكمن أهمية دراسة هذه الظاهرة الخطيرة والضرورية في نفس الوقت. وظاهرة “الحريك” كما هي معروفة لدى الجميع ، أصبحت اليوم تفرض نفسها كظاهرة اجتماعية بامتياز ، لكونها تستهوي وتشغل بال كل مغربي سواء في القرية او في المدينة ، كما أنها تشكل مجالا خصبا للترويج المالي وبالتالي الربح السريع لكل من يعمل فيه ، وهذا راجع الى ضمانة بيع منتوجها وكذلك الاستفادة السريعة لكل مقبل عليها . وهنا تكمن أهمية “الحريك” كظاهرة اجتماعية لها ضوابطها وقوانينها الخاصة ، وبالتالي ضرورة ملامستها ومقاربتها بشكل موضوعي . وكوني انتمي إلى قرية صغيرة انتشرت فيها هذه الظاهرة بشكل سريع جدا ، كما استفادت القرية من هذه الظاهرة اقتصاديا وتحسنت وضعية الأسر نفسانيا واجتماعيا .إن حديث سكان قرية النقوب ، صباح مساء، لا يخلو من ذكر البلد الذي يستقطب أصحاب ” الحريك” أي اسبانيا والبرتغال . كما أنهم يعرفون كل مستجد في اسبانيا ويعرفون الشيء الكثير عنها أكثر ما يعرفون عن بلدهم ، وهذا أمر طبيعي لأن اسبانيا منحتهم الشيء الكثير من حقوق الحياة من شغل ومكانة واحترام ومصدر الرزق …فماذا عن ظاهرة “الحريك” في دوار النقوب ؟ وما هي أسبابها ودوافعها ؟ ثم عن دورها السوسيواقتصادي في أوساط المجتمع ؟  وما هي أنواع الحريك وأشكاله ؟ وكيف ينظر المجتمع الى “الحراكة” كمهاجرين سريين ؟…

2)   نحو تعريف  لمفهوم “الحريك” :

لقد فرضت كلمة “الحريك” نفسها كمفهوم سوسيولوجي له ثقل في المشهد الفكري والثقافي المغربي بصفة عامة وفي قرية النقوب بشكل خاص .فالأصل الاشتقاقي لمفردة “الحريك” جاء ربما  من الدارجة المغربية من فعل “حرك” أي من فعل “حرق ” في اللغة العربية لأن القاف يصبح كافا اوكافا في الدارجة .وقد تم توظيف مفهوم “الحريك” في مجالات أخرى وفي تعابير تدل بشكل عام على عدم احترام القانون . فعلاقة “الحريك” بالحرق وبالتالي بالنار ، وتأويلات الحرق والنار تتصل بالسرعة في الهلاك والموت ، كذلك نفس الشيء بالنسبة للغرق في البحر اذ لا يتطلب وقتا طويلا . وهنا يتم ربط الفعل”حرك” من خلال مصدره “الحرق” بالغرق ومعلوم ان من غرق قد تجاوز في تجربته هاته عتبة الحياة في اتجاه الموت وبسرعة .كما يتجلى هذا أيضا في اللغة التواصلية اليومية بالدارجة المغربية والتي تفيد السرعة وعدم التقيد بالعرف والقانون كما قلنا فيقال مثلا : “حرك الوقت ماكاين غير حرك”  او ” حرك اصطوب” أي لم يحترم الضوء الأحمر فتجاوزه بسرعة دون وقوف .أو “حرك الفيزا” أي لم يحترم مدتها فتجاوزها . ان المرجع “الناري” لمصطلح “الحريك” يشحنها بدلالات الانتحار الذاتي والعنف التدميري . أليس من يرتمي في البحر كمن يرتمي في النار ؟ مع وجود فارق طبعا وهو أن تجربة الارتماء في اليم يغذيها الحلم والأمل في النجاة وبلوغ “أرض الفردوس” المفقود بعد أن تنكر الوطن لبنيه علانية وصار مكانا للشعارات المزيفة ، كما أن “الحراكة ” عادة ما يقومون بحرق كل الأوراق التي تثبت هويتهم ، أو يتركونها وراءهم حيث لا أمل للرجوع إلى الوراء ، وهذا معطى أخر يزكي الأصل الاشتقاقي لمفهوم الحريك .

3) “الحريك ” بمنطقة النقوب بين الأمس واليوم  :

         لقد عرفت قبيلة النقوب الهجرة السرية منذ أواخر الستينات وبداية السبعينات خلال وبعد حملة الرجل المنقذ الفرنسي “موغا” الذي كان مكلفا آنذاك باختيار عمال مغاربة لفرنسا . فذهبت بذلك أفواج من الشباب آنذاك إلى فرنسا ثم التحقت بهولندا ، وبعد عودتهم وقد تحسنت أحوالهم مقارنة مع ما كانوا عليه في جبال صاغرو وحتى في النقوب، مما خلق دافع الهجرة عند الآخرين، فبدأت بذلك أول الحلول لفكرة الهجرة السرية ، فاستعملت خلال المراحل الأخيرة لموغا وسائل لتزوير الطابع الأخضر الذي كان يوضع على أدرع المقبولين من طرف لجنة الانتقاء . فتم توظيف البيض المسلوق وكذلك البطاطس  ، وفعلا قد نجح الكثير منهم لتحقيق غرض الهجرة والتمكن من المرور من المراقبة الصارمة التي فرضتها اللجن المكلفة في مراكز الانتقاء سواء في تازرين أو في القلعة وفي عين برجا. و لكثرة شوق الشباب الى الهجرة فقد تغنوا بها بمدح وإغراء عن طريق تمناضين  ومنها على سبيل المثال :

-istey mugha izamarn ur illi xs tatten d widda gur ill kilu .

-اختار موغا الخرفان ، فلم يبقى الا النعاج ومن لا يزن كيلوغراما واحدا.

-istey mugha igiman kullu ur illi xs ttalb d unna ur ilin ul.

-اختار موغا الشباب كلهم ، فلم يبق الا الفقيه ومتدني الهمة.

-Ttabaà azigzaw aynewwagh iwtagh s san uzeggagh isfraza-yi .

-كنت أنوي طابعا أخضر ، وكان مصيري طابعا احمر  ، فأقصيت.

-Man taànam d wadéu ihérran awilligh kullu itéabba mugha ur ten yusiy.

-كيف حالكم يا من طبعهم موغا ولم يهاجروا.

-Idda d mugha allig iga ssaàd ima tten ur ilin.

-جاء موغا حتى أسعد من لا سعد له.

-Zzigh hat arhébiy n lqelàa ag istey mugh izamarn I wulli .

-في حظيرة القلعة اختار موغا الأكباش من الضأن.

-Ssahétinu ag illa lmaradé ima ajmil hat igayaxt mugha .

-صحتي هي المريضة ، أما موغا فقد أحسن الي .

-Amad yan uras tumiz iàarrat mugha izrit urten yusi.

-كم من واحد نصب الفخ دون جدوى ، عراه موغا وتركه.

-Matta useggas d yulin nini ad ddugh s lxarij ammas n irumin .

-في كل عام أنوي الذهاب الى الخارج وسط النصارى.

-A tabratt am rgigh amm kemmin adiligh g lbaliza ddugh s irumin .

-يا ليتني كنت رسالة ، فأكون في الحقيبة وأسافر الى حيث النصارى .

-Hulanda bu ccejrat iàlulan adin ig rebbi ssàdinu tamannun.

-هولندا بلد الأشجار المخضرة ، يا رب اجعل حظي بقربها.

-Unna ur iddin s hulanda  àtunas leqqum mayd ittenbadé ighla qillu.

-من لم يهاجر الى هولندا وله ابناء كثر، فما حيلته والذرة غالية ؟

-Sbàa usbàin ag uligh afellanm amm igeldan inmi wadéu.

-في عام سبعة وسبعين صعدت الى ذات الجناحين فاستقام لي أمري.

-Rebbi ktebatagh ggwman n fransa amur inw nghi théddam ilàamrinw.

-اللهم امنحني نصيبي من ماء فرنسا ، أو ضع حدا لعمري .

-Amadd yan izzenza lasl ula tigmmi xf lhéidj hulanda ann ira.

-كم من واحد باع أصله ومنزله ليحج وهولندا هي مقصده.

-Afransa tihérgit ak tamut unna nn illan yazend I waydé ann iddu.

-فرانسا شوافة،فكل من وصل اليها يرسل للاخر كي يلتحق به.

-Tnnat yurun tgas itt messyu , add ixiter lxarij ur asn iqqumi .

-كل من ولدت ابنا فلتسمه “مسيو” فحينما يكبر لابد أنه سيهاجر.

-Wasamhéi abba u lamma iqaridén aydagh d yiwin s irumin.

-سامحني يا أبي ويا أمي ، فالمال هو الذي أتى بي الى النصارى.

-Nerza g tmazirt nga ammis nemmut akal ayd isuln day ur ghifi illi .

-هاجرت البلاد كالميت ، انما لم يرد علي التراب .

-Attaksi lligh d yuwin mugha adam rzin izergan immt ccifur.

-أيتها السيارة التي أتت ب”موغا” ولتتكسري ويموت السائق.

-Idda d mugha allig iks làar iwidda ur ighin ad asin tigitin.

-أتى موغا حتى ساعد من لا يقدر على تحمل مسؤولية عياله.

-Mkid mugha lehla yuru arraw itenna ten yirun iga wink a mugha.

-ان “موغا” لا يحتاج الى أبناء ، فكل من ولدت طفلا يكون ل “موغا”.
 

أما بعد نهاية حملات “موغا” فقد بدأت تقنيات جديدة للهجرة سواء عن طريق عقد الشغل (الكونترات) أو عن طريق تبادل جوازات السفر . فالتحق بذلك العديد من الشباب بفرنسا وهولندا … لتقف حمى الهجرة خلال نهاية عقد السبعينات وخلال عقد الثمانينات بشكل نسبي ، واشتغال الناس بأراضيهم حيث توفرت المياه وظهرت فرصة التحاق الشباب بالتجنيد .ولم تتجدد فكرة الهجرة مرة أخرى إلا بعد عقد التسعينات حيث الجفاف وقلة الموارد وكذلك انفتاح النقوب على العالم الخارجي عن طريق وسائل الإعلام بانتشار التلفاز والتحاق أبناء بعض الأسر بالتعليم .فماهي  الأشكال الجديدة للهجرة السرية والغير القانونية التي ظهرت بشكل عام ؟ وماذا عن “الحريك” كمؤسسة؟

4) أشكال الحريك المعتمدة في الحاضر :

    أ – “الحريك” عبر القوارب .

        الشبكات المسؤولة عن هذا النوع ، في البداية كانت تعمل على تهريب المخدرات، لكن تزايد أفواج “الحراكة” دفعها إلى تهريب وتهجير الإنسان والمخدرات معا باعتماد قوارب خشبية في بداية الأمر ، ثم أخرى مطاطية حديثة ذات محركات قوية وسريعة.وهذه الشبكات ذات تنظيم مقاولاتي في صلبه ، لهذا من الطبيعي أن تمتد فروعها إلى كل الدواوير و المداشير حيث يصطاد السماسرة ” الحراكة ” بأثمنة مختلفة تتراوح بين 10 ألف درهم و 50 ألف درهم .وبفضل هذه القوارب التي يسميها البعض بقوارب الموت بينما الحراكة يسمونها بقوارب النجاة لأن بفضلها تخلصوا من معانات البطالة والحكرة وكل أشكال عدم الانسجام الاجتماعي.وفعلا لقد استفاد عدد كبير من شباب منطقة النقوب من هذا الشكل الصعب والذي بدوره سبب في موت العديد من الشباب في المناطق الأخرى ، ويسجل هنا أن من بين القبائل التي لم يسجل فيها ، إلى حد الآن ، أية ضحية بسبب هذه القوارب ، قبيلة النقوب.كما يعتبر هذا الشكل من الحريك الأكثر إقبالا لكونه الأقل ثمنا على باقي الأشكال الأخرى.فمن منا لا يتذكر أيام “مونيط” ؟

   ب – الحريك عبر الشاحنات أو الحافلات :

        ترجع فكرة هذا النوع من الحريك أساسا إلى عمال العديد من مصانع الملابس والنسيج ، حيث هاجر العديد منهم في حاويات الشاحنات الكبيرة إلى أوربا وهذا بفضل تواطؤ سائقي هذه الشاحنات الأجانب بسبب المال .ولقد وجد شباب العائلات الفقيرة في النقوب من هذه الطريقة الحل المناسب للهجرة السرية عوضا عن القوارب او ما يسمى محليا ب “تالفلوكت” او “الباطيرا” التي تتطلب مبلغا ماليا لا يستطيع أغلب الشباب توفيره . فكانت فكرة “الحريك” عبر الشاحنات أو الحافلات الحل المناسب وبدون أي بلغ مالي ، حيث يكفي فقط التستر أسفل الشاحنة أو الحافلة التي تتجه نحو الميناء بالناظور أو بطنجة أو بوجدة … والتي يتأكدون بأنها ستتجه الى الديار الأوربية. وفعلا تمكن العديد من الشباب وحتى الصغار من الفرار والهجرة بفضل هذه الطريقة التي لا تكلف الا بعض الأيام من المراقبة الصارمة للشاحنات او الحافلات قرب الميناء أو في محطات الوقود .

وتجدر الاشارة الى ان هذا الشكل من الهجرة السرية فتح الباب امام بروز هجرة القاصرين من أطفال الشوارع وأطفال عانوا من الفقر بشكل عام ، لكن الغريب في الأمر ان الذين يتم القبض عليهم مثلا في الضفة الأخرى كاسبانيا يعتنى بهم في مراكز خاصة الى سن محدد ، مما يحرك هاجس الهجرة عند كل طفل يسمع بأوضاع الذين سبقوه .

ت ) “الحريك” عبر بواخر الصيد الأوربية : 

     ينشط هذا النوع خلال فترات الراحة البيولوجية التي تفرضها السلطات المغربية على بواخر الصيد ، اذ تقل أرباح الصيد ، وهنا يستغل أرباب البواخر جحافل “الحراكة” وتهجيرهم سريا الى الضفة الأخرى … وحسب البعض فان تكلفة الرحلة عبر الباخرة تصل الى 30 ألف درهم ، بحيث يتصل “الحراك” بسمسار أو مساعديه. حتى يصل إلى المسؤولين على الباخرة .ويدخل الفرد وتسلم له بذلة البحارة ويتم إنزاله في شواطئ غير آهلة ، من ثمة يبدأ مسلسل المشي على الأقدام عبر الغابات والضيعات الفلاحية أو الاتصال بعصابات مختصة بخطف الحراكة وأخذهم إلى الأماكن التي يقصدونها تفاديا لحملات المراقبين للحدود الشرطة ، وذلك مقابل أموال أخرى …

ج ) “الحريك” عبر التسلسل من مطارات  :

     كانت الفكرة أساسا تتجلى في حصول الشخص على تأشيرة الدخول إلى دولة تركيا حيث لا تتطلب إلا توفر جواز السفر وتذكرة السفر ذهابا وإيابا.ومع العلم أن الطائرة تتجه إلى تركيا تنطلق من الدار البيضاء وتمر من مطار أمستردام في هولندا وهنا تتم عملية التسلل من طرف الحراك بمساعدة شخص قاطن في هولندا .

د ) “الحريك” الشبه القانوني :

     – عبر التزوير: حيث يتم تزوير كل الأوراق التي تمكن الشخص من الهجرة، وذلك من طرف شبكات التزوير المحترفة. تزوير جوازات السفر، أوراق الإقامة، عقود العمل، تأشيرات الدخول…

     – الحصول على التأشيرة بشكل قانوني ثم البقاء في أوربا وهذا ما يطلق عليه ب”حرك الفيزا ” …

     – تسليم جواز السفر لشخص يشبه الشخص صاحب الجواز مقابل مبلغ مالي، أو لأحد أفراد أسرته…( وهنا نشير الى المحاولات الناجحة التي أبان فيها معلمي النقوب عن صمودهم لإنقاذ إخوانهم من البطالة حيث نجد فيهم من وصل الى معدل فردين …) 

وهناك أشكال مختلفة من الحريك ،والأساس في الأمر أن المهاجر السري يسعى دائما إلى ابتكار كل الأساليب التي يراها مناسبة للعبور إلى الضفة الأخرى كما ان عصابات هذا الشكل من الهجرة تعمل جاهدة لابتكار كل الوسائل الممكنة لربح الأموال. كما لا يجب أن ننسى كذلك الحريك عبر سيارات لعائلات في الخارج خلال فترات العطلة الصيفية أي خلال شهري يوليوز وغشت حيث يكون الازدحام في مراكز العبور ، فهناك من تستر وسط أفراد العائلة خصوصا الأطفال الصغار وهناك من تستر وسط أمتعة صاحب السيارة ثم هناك من تواطأ مع رجال الجمارك…الخ

5)       الحريك” كمؤسسة منظمة :

      اذا جاز لنا اعتبار “المؤسسة جماعة افراد لها تنظيمها الخاص واعرافها وقوانينها التدريبية والتواصلية ” فان “الحريك” خلفت لنفسها أشكالا وتنظيمات وقوانين تواصل مجتمعية ولها أمكنة للفعل الاجتماعي.و من هنا فالحريك مؤسسة يجد فيها علم اجتماع الهجرة السرية موضوعا خصبا وبكرا .فتم هناك قوانين تواصلية بين الافراد داخل المؤسسة من حراكة وسماسرة ورئيس الشبكة …وتتم بشكل عمودي وليس افقي بمعنى ان كل سمسار يتصل بآخر الى ان يصل الخطاب في النهاية الى الرئيس المكلف ، وكل ذلك لأسباب وقائية وامنية ، والحراك بدوره يشترط تأمين رحلته وتحقيق حلمه المتمثل في الوصول الى “الفردوس المفقود كما قلنا سابقا” . فنذكر هنا مثلا اجراءات تنظيمية واحترازية خاصة بالعبور على متن القوارب ومنها على سبيل الذكر :

         الإبحار يكون في ليالي دامسة وبعد الحادية عشر ليلا .

         ضرورة تزود الحراكة ببعض الأغذية الجافة من حمص وزبيب وزميتة ..

         ضرورة تطبيق تعليمات سائق القارب (هدوء وصمت وخفة…).

         ضرورة التوقف وسط اليم اما لتزويد خزان المحرك بالوقود ، او للتأكد من عدم وجود الحرس . 

6) أسباب و آثار” الحريك”:

تترتب عن الهجرة بشكل عام والهجرة السرية بالخصوص ، آثار كثيرة؛ سواء على المدى القريب أو المتوسط أو البعيد، وسواء على مستوى الفرد أو الجماعة أو المجتمع ككل. كما أن لها تأثيرات على الحياة في الوطن الأصلي وتأثيرات على المهجر. ويمكن أن تخترق تأثيراتها البنيات النفسية والاجتماعية للأفراد، والبنيات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية للمجتمعات وطنا ومهجرا. وهكذا، فالهجرة العمالية –مثلا- تؤدي إلى “إحداث انقلاب صامت في الأوضاع الاقتصادية”(7)، فهي تتسبب في تكوين «نمط استهلاكي جديد» يتسم بالإسراف الشديد وبالمظهرية وحيازة آخر ما تقدمه البلدان المتقدمة من مستحدثات وسلع جديدة في مجال الاستهلاك الشخصي في الوقت الذي لا يتم فيه اكتساب ثقافة الانتفاع بهذه المخترعات.

أما على المستوى السياسي والاجتماعي، فيمكن اعتبار هجرة القوى النشيطة إعدادا لتفريغ الوطن من قوى التغيير الأساسية ومهاجمة البنية الاجتماعية. حيث ان الشباب هي الفئة الأكثر عبورا للبحر نظرا لكن مرحلة الشباب تتسم بظهور ما يسمى “بالحراك الاجتماعي ” وتتراوح أعمار هذه الفئة مابين 16 و 35 سنة مع سيطرة الجنس الذكوري . فالحريك هي الوسيلة الوحيدة التي يختارها الشباب المنحدر من القرى بما فيها قبيلة النقوب  وهذا راجع إلى عدة أسباب تجعل الفرد النقوبي في وضعية يستعد فيها للمغامرة بحياته وبمصيره ولأن قريته كفضاء سوسيوثقافي صعب ويحمله مسؤوليات جسام منذ صغره ، زد على ذلك قساوة العيش والظروف الطبيعية .

باختصار، إن للهجرة آثارا إيجابية وأخرى سلبية فهي قد تساهم في تطور الوطن في بعض المناحي، كما قد تساهم في تدهوره في جوانب أخرى من الهوية الثقافية مثلا، إذ إنها تخلخل النسق المجتمعي وتقلل من فاعليته أو تسهم في تنميته.فالمهاجر السري  يحس بعنفِ الهُنا والآن، ويفضل المغامرة بالنفس، فهو يقارن بين عنفين ويفضل عنفا على آخر. وإذا أمعنا النظر، فإننا نجد أن المهاجر يعيش أزمة تتمثل في أزمة المقارنة بين ما يعيشه هنا والآن، وبين ما يصله عن طريق وسائل الإعلام عن الدول الغربية وما يراه في حيه أو مدينته من آثار للهجرة الخارجية. فينتج ذلك دراما تبين أن المغامرة بالنفس تصبح ممكنة ومقبولة على خط العلاقة بين الواقع والأفق، الهُنا والهناك، الحاضر والمستقبل(8).

7) الخاتمة :

 وختاما أود أن أشير إلى أن الحديث عن الهجرة السرية أو “الحريك” قد يتطلب وقتا طويلا ، ولكن إسهاما في النبش في هذا الموضوع الذي أصبح اليوم يفرض نفسه بقوة. و ما يمكن قوله عن الحريك في النقوب هو أن نفعه أكثر من ضره لأنه يشكل الباب الوحيد والذي مازال يمكن الأسر النقوبية من الاستفادة اقتصاديا وبالتالي محاربة التهميش الاجتماعي فكم من أسرة كانت على حافة التدهور بسبب الفقر واذ بأحد أطفالها يغامر بحياته فيلتحق بالضفة الأخرى ، فتجد حال الأسرة قد تحسن ولو نفسيا …    

 

 

امحمد عليلوش(Iyider  النقوب)

www.alilouch.on.ma

الهوامش :

1)-حسن الشويكي. مقال بعنوان: «الهجرة على النفط ومصير التحويلات: استهلاك أم استثمار». مجلة الوحدة. السنة الرابعة. ع 43. 1988.ص90.

(2)-توفيق جرجور:«الهجرة من الريف إلى المدن في القطر العربي السوري». 1980. ص51.

(3)-نادر فرجاني:«الهجرة إلى النفط». مجلة الوحدة. السنة الرابعة. ع 43. 1988. ص 181.

(4)- محاضرات ودروس الأستاذ البلغيتي الرجراجي. 2003. كلية الآداب والعلوم الإنسانية. جامعة القاضي عياض. مراكش.

(5)-القصير عبد القادر:«الهجرة من الريف إلى المدينة». بيروت. 1992. ص 109.

(6)-الشويكي حسن:«الهجرة إلى النفط ومصير التحويلات: استهلاك أم استثمار؟». مجلة الوحدة. السنة الرابعة. ع 43. 1988. ص 93.

(7)- الشويكي حسن:«الهجرة إلى النفط ومصير التحويلات: استهلاك أم استثمار؟». مجلة الوحدة. السنة الرابعة. ع 43. 1988. ص 90.

(8)- الشويكي حسن:«الهجرة إلى النفط ومصير التحويلات: استهلاك أم استثمار؟». مجلة الوحدة. السنة الرابعة. ع 43. 1988. ص 94.

(9)-حمودي عبد الله:«مصير المجتمع المغربي: رؤية أنتروبولوجية». حوارات. دفاتر وجهة نظر. ع 5. 2004. ص150.