لقد كثر الحديث اليوم عن البيئة، ومجمل التعالقات والتواشجات التي تنعقد بينها وبين التنمية، وتعالت أصوات المنادين بالمحافظة على البيئة، وهيبالدرجة نفسها التي عليها أصوات الراغبين في التنمية الطامحين إليها من الدول الفقيرة، أو ما يصطلح عليه بدول العالم الثالث، التي تدعى تارة أخرى وبنوع من التلطف يخفي حقيقة المسمى: دولا نامية.
وتعتبر الثنائية [بيئةـ تنمية] ثنائية جدلية، إذ يقع بين طرفيها تجاور يحكمه العموم والخصوص، أو لنقل إن العلاقة بينهما هي علاقة استلزام؛فالبيئة في المحصلة الأخيرة هي الوسط الذي تقع فيه التنمية، والمحافظة عليها، أي على البيئة، يستلزم أحيانا مستويات من التنمية والتقانة هي بالضرورة عليا ؛ولهذا فالكثير من الدول الفقيرة لا تعنيها المحافظة على البيئة في بعض أحيازها التي تتطلب هذه المستويات العليا من التنمية في شئ.
وقد اخترنا تقسيم هذا البحث الذي يروم مقاربة إشكالية البيئة والتنمية إلى مطالب ثلاثة، نرصد في الأول منها مفهوم البيئة منبهين على اللَّبس والغموض الذي يكتنفه إذا ذكر إلى جانب مفهوم طبيعة، إذ تَمَّحِي الحدود بين المفهومين ويحصل التداخل والتماهي، مما يجعل البيئة بوصفها دالا تتسم بالزئبقية التي يعسر معها تبين المدلول الحقيقي.
وفي المطلب الثاني نناقش علاقة الإنسان بالبيئة، وذلك برصدنا أثر كل منهما في الآخر، سواء كان هذا الأثر سَلبيا أو إيجابيا، وفي المطلب الثالث والأخير نناقش الإشكالية المحورية التي ينهض عليها البحث، أي علاقة البيئة بالتنمية، والذي سنفرعه إلى ثلاث نقاط، نعرض في أولاها للتربية البيئية، وفي الثانية لمجمل المؤتمرات التي اتخذت البيئة موضوعا لها، وفي الثالثة نعرض للصلات المنعقدة بين التنمية الاقتصادية والبيئة، ونخلص في الأخير إلى خاتمة نسجل فيها أهم الخلاصات والاستنتاجات.
1- مفهوم البيئة
تعني البيئة (Environment )في أبسط تحديداتها ” الوسط أو المجال المكاني الذي يعيش فيه الإنسان وسائر المخلوقات”1، ويزدان هذا الوسط بمكونات أخرى إلى جانب الحيوان*، كالجبال والأنهار والبحار …إلخ مما يعرف بالبيئة الطبيعية2.ويتحدث الباحث«محمد العلالي» عن بيئة أخرى يصفها بالمشيدة، وهو يريد التراث الثقافي لمنطقة ما؛أي مآثرها التاريخية وآثارها مما عملته وشادته يد الإنسان3.أما عن البيئة بوصفها علما، أي الأيكولوجيا ؛فهي”العلم الذي يدرس علاقة الكائنات الحية بالوسط الذي تعيش فيه”، ويروم علم البيئة إظهار الخصائص الأساسية للعناصر الحياتية وعلاقاتها بالعناصر غير الحية.4
وقد ترتب عن هاجس المحافظة على البيئة الذي يقلق بني البشر ويقض مضاجعهم، أن انعقدت صلات قرابة بين علم البيئة الأيكولوجيا وكل العلوم تقريبا بما في ذلك الجغرافيا، والاجتماع، والاقتصاد، والسياسة، والتاريخ، فضلا عن صلته بعلوم أدق كعلوم الأحياء، والحيوان، والنبات، والكيمياء 5.
ودونكم التداخل الحاصل بين علم البيئة وعلم الجغرافيا، والذي لا يتمثل فقط في عرضهما لموضوعات تعتبر مشتركة بينهما، وإنما أيضا في النتائج التي يصل إليها الأيكولوجيون من جهة والجغرافيون من جهة ثانية، ومن أهم فروع الجغرافيا الحيوية Biogeography التي تركز على الجوانب الحيوية الطبيعية وخاصة الغطاء النباتي وما يتصل به من تربة ومناخ ومياه وحيوان.
2-بيئة-إنسان:
لعله من النافل القول إن الإنسان يختلف في تفاعله مع بيئته اختلافا ينهض على اختلاف درجة وعيه الذي هو محصلة تطوره الحضاري وتقدمه العلمي.
ويتضح لدينا من خلال آراء بعض العلماء، سنأتي على ذكرهم، أن البيئة تعتبر عاملا إلى جانب عوامل أخرى في تشكيل وبناء وعي وسلوكات الأفراد بضرب من التأول والتجوز؛ ف«هنتنغتن»، و«بيلي» يعتبران درجة الحرارة 14 الدرجة المثالية لنشاط الإنسان العقلي والبدني، كما يذهب “برجمان” إلى أن المناخ يؤثر على فيزيولوجية الإنسان شكلا وحجما، إذ يختلف لون العين ولون الشعر باختلاف نسبة الضوء ونسبة الرطوبة في الجو6.
كما يميز «هيبوقراط»420ق.م بين سكان الأراضي الجبلية الذين يطبعهم طول القامة، والشجاعة، ودماثة الأخلاق، وبين سكان المناطق السهلية الذين يتصفون بنحالة أجسامهم ومتانة عضلاتهم وشعورهم الشقراء.
ويربط «أرسطو»322-284ق.م في كتاب “السياسة” بين المناخ وبين طبائع الشعوب، وهو الشيء نفسه الذي نزع إليه العلامة «ابن خلدون» في المقدمة، إذ يقول بتأثير البيئة في أخلاق البشر وأحوالهم، و«مونتسكيو» في كتابه”روح القوانين”، و«دارون» في كتابه “أصل الأنواع”1859، و”تطور الإنسان”18797
هذا عن تأثير البيئة في الإنسان الذي يظل طبيعيا، وغير سَلبي، أما عند حديثنا عن علاقة هذا الأخير ببيئته يمكننا القول إنها سلبية، ويَعِزُّ في الوقت الراهن- بالرغم من وجود هيئات ومنظمات ترفع شعار المحافظة على البيئة –أن تكون إيجابية!!
ويحسن بنا في هذا المقام أن نشير، ما وسعنا ذلك، إلى وجهة نظر الإسلام بوصفه واحدا من الرسالات السماوية الثلاث، حول البيئة، وحسبنا في ذلك قوله تعالى ﴿ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها﴾8، الذي يستغرق فيه النهي المفيد للوجوب جميع أنواع الإفساد هان أو عظم وفي جميع الأرض، باعتبارها البيئة الكبرى للإنسانية جمعاء، وقوله تعالى:﴿كلوا واشربوا ولا تسرفوا﴾9، الذي يستفاد منه نهيه تعالى عن مثلبة الإسراف التي قلما سَلِم منها إنسان.
وفي السياق نفسه نشير إلى حديث الفسيلة الوارد في المصنفات الحديثية، الذي لا تُهِمُّنا صحة صدوره عن النبي صلى الله عليه وسلم في شيء، بقدر ما يُهِمُّنا ما يثوي فيه من حق لا ينكره المنطق السليم، ولا يتعارض البتة مع شرع الله سبحانه وتعالى القويم، وأبهى صور حقانيته أن يأمر النبي ص الذي يحتضر بعدم التواني عن غرس الفسيلة إن كان ذلك بمكنته.
إلا أن واقع الحال ينأى عن توجيهات الأديان السمحاء عموما والإسلام بصفة خاصة، وينأى عن طموحات الجمعيات المنشغلة بالبيئة، إذ إن اختفاء غابات الأرز في لبنان معزو في المقام الأول إلى الاستخدام الأعمى وغير الرشيد للأشجار في بناء هياكل السفن10، فضلا عن الأنشطة الصناعية التي تتجاوز فيها الأبخرة والأدخنة الملوثة المعدلات المسموح بها دوليا.
ويقودنا هذا إلى الحديث عن تلويث البيئة، وليس تلوثها*، وهو “التغيير الذي يحدث في الوسط الطبيعي الناشئ عن فعل الإنسان على نحو يحمل معه نتائج ضارة بكل كائن حي”11، ودونكم قطاع التذهيب في مراكش الذي ترمى نفاياته في واد سبو، وأهم مراكز صناعة الفخار في فاس والدار البيضاء وأسفي، وتمگروت ومكناس ومراكش التي تستخدم آلات وتقنيات قديمة وملوثة تؤثر على صحة المشتغلين في هذا القطاع، إلا أن المغرب وعلى حد تعبير الوزير السابق المكلف بالصناعة التقليدية السيد «محمد المرابط» يخصص حوالي 8 من الناتج الوطني الإجمالي لبرنامج التأهيل البيئي وتجاوز هذه المشاكل12.
وفي الجدول 13التالي نرصد وجها آخر من أوجه التلويث، ونقصد الانبعاثات الطاقية لثاني أكسيد الكربون في فرنسا عام 1985و الناتجة عن بعض القطاعات :
القطاع | مساهمته في الانبعاثات الطاقية لثاني أكسيد الكربون |
النقل | 39٪ |
محطات توليد الكهرباء الحرارية | 11٪ |
الصناعة | 19٪ |
المسكن والزراعة | 31٪ |
مساهمة قطاعات النشاطات والانبعاثات الطاقية لثاني أكسيد الكربون
وبإمكاننا أن نَحْزِرَ من خلال هذا الجدول –الذي لا ينقص من أهميته أنه يُهِمُّ سنة مضت-الوضع الذي عليه الانبعاثات الطاقية لثاني أكسيد الكربون في سنة 2008 بالنسبة لفرنسا، والذي نعتقد أنه أعلى مما كان عليه في سنة 1985، وتخميننا ينهض طبعا على التطور الذي شهدته فرنسا وما زالت من تلك السنة إلى اليوم، والذي يَسِمُهُ التعقد وارتفاع عدد المصانع والمواصلات…ونحن إذ نخمن هذا التخمين لا نغفل تقانة فرنسا المتطورة التي تمكنها من التغلب على هذه المشاكل البيئية.
وفي دراسة مسحية أجريت عام 1992عن تلوث الهواء بالرصاص في عشرين مدينة من المدن العملاقة في العالم تبين أن تركيز الرصاص في كل من القاهرة، وكراتشي، وطهران، يزيد على المعدلات المسموح بها14.
وترتيبا على ما سبق لا يتنكب الباحث «يعقوب أحمد الشراح» عن الحقيقة حين وصف تدمير الإنسان للبيئة بأنه أخطر أنواع التدمير، وأنه يتصل بانهيار سلوك البشر وتصرفاتهم15، وهو الشيء نفسُهُ الذي نزع إليه الباحث «مصطفى معرفي»، من أن “البيئة الطبيعية قادرة على استيعاب التغيرات الطبيعية[يقصد الزلازل، البراكين…]ويمكنها إعادة تأهيل نفسها خلال فترات زمنية معقولة إن أصابتها كوارث طبيعية، لكن(…)لا يمكنها بأي حال من الأحوال التكيف مع آثار الدمار الذي يسببه البشر لها، وليس بمقدورها ضمن آليات السنن الطبيعية مواكبة الهدر والاستنزاف لمواردها وتلويث نظمها الحيوية”16.
ويجب أن لا يفهم أن ظاهرة التدمير للبيئة هذه تخص مجتمعا دون آخر، أو شركات بعينها، أو أفرادا معينين، بل هي ظاهرة عمت بها البلوى، لذا فمسؤولية معالجتها مسؤولية تقع على الجميع.
ويعتبرها الباحث «مصطفى معرفي» “مسؤولية جماعية أممية” لا بد للأطراف قاطبة أن تساهم في معالجتها 17، حتى لا تقع فيما وصفه الباحث«يعقوب أحمد الشراح» بالمأزق البشري الذي حذر منه نادي روما، والذي إن هو حصل يتسم ب:
– التزايد المَهُول لعدد سكان الأرض الذي يتوقع أن يصل سبعة بلايين نسمة في سنة2030، والذي يستتبع زيادة”التلويث” وانتشار الأوبئة وتفشي المجاعة.
– تناقص مخزون العالم من النفط والفحم والمعادن من جراء الاستهلاك المفرط لها.
– تدهور الموارد الطبيعية بفعل تعرية التربة، وندرة مياه الشرب المأمونة، والتصحر خاصة في الدول النامية18.
3-البيئة والتنمية:
لقد أشرنا فيما تقدم إلى أن العلاقة بين البيئة والتنمية هي علاقة استلزامية، إذ تغدو أي تنمية لا تضع في اعتبارها البيئة وحيثياتها تنمية عمياء لا تعير أي اهتمام للإنسان بوصفه الحَلْقَة المركزية ضمن سلسلة المتضررين من تنمية هذا شأنها.
وسنتطرق في هذا المبحث إلى نقاط ثلاث نسلط فيها الضوء على ما يسعف في تنمية اقتصادية تكون فيها البيئة محمية وغير مهددة.
أ-التربية البيئية:
يجمل بنا قبل أن نسترسل في الحديث أن نشير إلى أن التربية البيئية هي:”عملية بناء المدركات والمهارات والاتجاهات والقيم اللازمة لفهم وتقدير العلاقات المعقدة التي تربط الإنسان وحضارته بمحيطه الحيوي الطبيعي، وتوضيح حتمية المحافظة على مصادر البيئة وضرورة حسن استغلالها لصالح الإنسان حفاظا على حياته ورفعا لمستوى معيشته”19، وهو التعريف نفسه الذي تبناه مؤتمرا استوكهولم وتبليسي20.
وتعتبر التربية البيئية بنظرنا أمرا ملحا وضروريا كيما تحافظ البشرية على بيئتها التي تتهددها الأخطار ويحدق بها التدمير والإضرار بشتى صوره.
وهي بعد [أي التربية البيئية] من أكثر المجالات المعرفية خصوبة وقدرة على تغيير السلوك تجاه التعامل مع البيئة في الاتجاه الإيجابي21، لذا وجب إدراجها في برامج الوزارات المعنية بالتربية والتعليم، وتلقينها الصغارَ والأحداثُ لخلق وعي بيئي مستديم.
وتعد جمهورية مصر العربية أحد النماذج الرائدة في هذا المجال، إذ شرعت في بداية الأربعينيات، وإن باحتشام، في تدريس البيئة في المدارس الابتدائية والثانوية، وطورت هذه التجربة منذ الخمسينيات، إذ أصبحت البيئة تدرس بمعناها الحديث بفعل جهود المنظمة العربية للثقافة والعلوم وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة22.
ووفرت مصر ترسانة قانونية تؤطر البيئة وحمايتها، إذ ورد مفهوم حماية البيئة في المادة الأولى من الفقرة التاسعة من قانون البيئة المصري رقم 4 لسنة 1994، حيث عرفت الحماية بأنها “المحافظة على مكونات البيئة والارتقاء بها ومنع تدهورها أو تلوثها [كذا]، والإقلال من حدة التلوث، وتشمل هذه المكونات الهواء والبحار والمياه الداخلية متضمنة نهر النيل والبحيرات والمياه الجوفية والأراضي والمحميات (…) والموارد الطبيعية الأخرى”23.
وانتقلت حماية البيئة من مجرد كونها مطلبا فرديا إلى مطلب قومي ودولي، إذ لا تخلو دولة من دول العالم اليوم من وجود وزارة للبيئة أو هيئة أو وكالة تقوم على تحقيق هذا المطلب من خلال تبني السياسات والبرامج التي تضع حماية البيئة موضع التنفيذ وتدبير الموارد المالية اللازمة لذلك وتطوير التشريعات في اتجاه إضفاء صبغة الإلزام على القوانين المنظمة لحماية البيئة، ولعل ما يجلو دولية مطلب حماية البيئة وعالميته إنشاء الأمم المتحدة لوكالة تختص بهذا الغرض تعرف باسم :برنامج الأمم المتحدة للبيئة24The united Nations Environnement Programme.
ب-مؤتمرات البيئة:
يرجع الاهتمام بالبيئة إلى أواسط السبعينيات، وقد برز أول ما برز في الولايات المتحدة الأمريكية، ويعزوه الباحث «طه محمد جاد» إلى أسباب هي في المقام الأول سياسية25، وتتالت بعده مؤتمرات البيئة تترى، نستعرضها في هذه النقطة بحَسْب كرونولوجيتها على الشكل الآتي:
-في 1968عقد مؤتمر فارنا، ومن توصياته أن السلوك البشري ينبغي أن يكون أكثر انضباطا في علاقته بالبيئة، كما ألح على إدخال التربية البيئية في المقررات والبرامج الدراسية للمؤسسات التربوية.
-في 1971 انعقد مؤتمر روشيلكون في سويسرا، وقد كان شديد اللهجة في المطالبة بإدخال المفاهيم البيئية في المناهج الدراسية.
-في 1972انعقد مؤتمر استوكهولم للتربية البشرية.
-في 1975انعقد مؤتمر بلغراد للتربية البيئية.
-في 1977انعقد مؤتمر تبليسي، وقد ناقش هو الآخر التربية البيئية ومشكلة زحف الصحراء.
-في ديسمبر 1989انعقد مؤتمر القاهرة، ويعتبر امتدادا للمؤتمرات قبله، وقد ركز اهتمامه على التغيرات المناخية وخاصة ما كان يتصل منها بالمستقبل.
-في يونيو 1992 انعقدت قمة الأرض بريو دي جانيرو بالبرازيل، وهي قمة دقت ناقوس الخطر وذهب فيها المؤتمرون إلى أن البيئة ما زالت تعاني اختلالات أخطر من السابق، مثل اتساع الفجوة بين الغنى والفقر، أي بين دول الشمال ودول الجنوب، وتزايد متوسط معدلات النمو السكاني، وتضاؤل مصادر مياه الشرب، وزيادة التلويث والتصحر، وتدهور الأراضي والغابات، وفقدان التنوع البيولوجي، والسباق نحو التسلح النووي، وضعف إنتاجية الأرض، واعتلال صحة البشر.
ولأن قمة ريو دي جانيرو كانت محورية ومركزية بالمقارنة مع ما سبقها من مؤتمرات، فنحن ذاكرون بعض أهم المبادئ التي خلصت إليها :
-المبدأ الرابع :وينص على أن حماية البيئة جزء لا يتجزأ من عملية التنمية، ولا يمكن النظر إلى أي تنمية مستقبلية بمعزل عن مطلب حماية البيئة.
-المبدأ الثالث عشر :ينبغي أن تتعاون الدول على النهوض بنظام اقتصادي دولي يؤدي إلى النمو الاقتصادي والتنمية المستديمة، في جميع البلدان مع تحسين معالجة مشكلة تدهور البيئة.
-المبدأ الخامس عشر: من أجل حماية البيئة تأخذ الدول بالمنهج الوقائي حَسْب قدراتها وتتخذ كافة التدابير الفعالة لمنع تدهور البيئة.
-المبدأ الخامس والعشرون: السلم والتنمية وحماية البيئة أمور مترابطة لا تنفصم26.
-في سبتمبر 2002انعقد مؤتمر القمة العالمية للتنمية المستدامة بجوهانسبرغ بجنوب إفريقيا، وقد بحث فيه قادة العالم أمر تفعيل مبادئ وقرارات مؤتمر ريو دي جانيرو، كما بحثوا قضايا التنمية والضبط السكاني، والعدالة الاجتماعية.
وكل هذه المؤتمرات تقريبا بحثت قضايا التنمية في علاقتها بالبيئة، وقد ركزت فيها الدول الصناعية على مشكلة الانفجار السكاني واعتبرته أهم العوامل المؤثرة سَلبا في البيئة، ولكن يظل هذا بنظرنا فيه الكثير من التحيز، لأن العالم الصناعي وإن كان يعرف ضبطا سكانيا، إلا أنه يظل المدمر الأول للبيئة بفعل صناعاته وتقانته ذات المخلفات والفضلات الكيميائية الخطيرة.
ج-التنمية الاقتصادية والبيئة :
لقد طرحت العلاقة بين البيئة والتنمية لما تُنُبِّهَ إلى أن الاهتمام بالتنمية الاقتصادية وفقط يؤثر على مطلب حماية البيئة، أو إنه يجري على حساب البيئة، وقد أشرنا فيما تقدم إلى جملة المؤتمرات ذات الصلة بهذه الإشكالية المحيرة للكثيرين.
فقد ذهب جمع إلى القول بالتعارض بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة ومستندهم في ذلك أن حماية البيئة ترف لا يقدر عليه سوى الدولِ المتقدمةِ، وأنه من الأفضل للدول النامية أن تلح في طلب تنمية اقتصادية عالية بعدها تنظر في مشاكل البيئة، ومن مبرراتهم التي تنهض عليها دعوى التعارض هاته:
-أولا أن هناك أثارا اقتصادية سَلبية للإنفاق على البيئة.
-ثانيا ارتفاع تكاليف حماية البيئة 27.
وعلى العموم فقد أثمر هذا النقاش الدائر مفاهيم جديدة، فبعد أن كان يتحدث عن التنمية الاقتصادية الاجتماعية، أي ذات البعد الاجتماعي، أصبح يتحدث عن التنمية الاقتصادية البيئية، أي ذات البعد البيئي والاقتصادي والاجتماعي التي توفق بين مطلب التنمية الذي يظل ملحا بالنسبة لدول الجنوب، وحماية البيئة، وتستند هذه التنمية إلى مفهوم التنمية المستديمة التي تحقق التوازن بين هذه الأبعاد الثلاث28.
خاتمة :
وبعد نخلص من خلال ما تقدم إلى جملة أمور تتلخص في أن :
-البعد البيئي عنصر رئيس في المنظومة التنموية وليس بعدا ترفيهيا ترفيا، ومراعاته تعود في الأخير بالنفع على الإنسان والبيئة.
-التربية البيئية المشارِكة لجميع العلوم هي الحل في مواجهة مشاكل تدمير البيئة.
-الإعلام البيئي بجميع أنواعه، المرئي والمقروء والمسموع، يجب أن يفعل لأنه بنظرنا الأكثر تأثيرا في الناس.
-إعداد برنامج متكامل للمفاهيم البيئية يجب أن يبنى كما يذهب إلى ذلك الأمريكي«وليم ستاب» W.stappعلى القضايا العامة والأساسية ونقصد النظام البيئي والسكان والاقتصاد والتكنولوجيا والأخلاقيات البيئية.
1 – التربية البيئية ومأزق الجنس البشري، د.يعقوب أحمد الشراح، عالم الفكر، ع.3، المجلد الثاني والثلاثون، يناير/مارس2004، ص.35.
* – ننبه إلى أن هذا اللفظ مُفْرَغٌ من جميع القيم القدحية المجازية، ويتصل اتصالا اشتقاقيا وثيقا بالفعل”حَيِيَ“، فهو إذن لفظ شامل لكل ما هو حي وذو كفاية استيعابية ودلالية كبيرة، وهذا بنظرنا هو أصل وضع الكلمة.
2 – جغرافية العالم الإقليمية، د.علي موسى، دار الفكر، الطبعة الأولى، 1401ه 1981م، صص:45، 47.
3 – البيئة:الرهانات الثقافية والاتصالية، محمد العلالي، مجلة المناهل، ع.46السنة العشرون، شوال 1415ه/مارس 1995م، تصدرها وزارة الشؤون الثقافية بالمملكة المغربية، ص.154.
4 – جغرافية العالم الإقليمية، مرجع مذكور، ص.45، وأيضا:التغيرات البيئية في أواخر العصر الحديث مع ترجيحات مستقبلية تحليل جغرافي طبيعي، د.طه محمد جاد، مكتبة الأنجلو مصرية، د.ط، د.ت، ص.11.
5 – التغيرات البيئية، مرجع مذكور، ص.12، بتصرف طفيف.
6 –جغرافية العالم، مرجع مذكور، ص.55.
7 –المرجع نفسه، الصفحات:47، 48، 49.
8 –الأعراف، 56.
9 –الأعراف، 31.
10 –جغرافية العالم، ص.46.
*-نعتقد في أن «التلويث» أكثر دلالة من «تلوث»، إذ إن صيغة تفعيل تستلزم فاعلا هو هنا الإنسان، أما صيغة تفعل التي لها دلالة المطاوعة فهي تُلَبِّسُ إذ ترفع المسؤولية عن الملوِّث.
11 –مفاهيم أساسية في القانون العام لحماية البيئة، د.داود عبد الرزاق الباز، عالم الفكر، ع.3، المجلد:32، يناير/مارس2004 م، ص.63.
12 –ورقة مريم الصافي البيئية، برنامج يبث مساء كل خميس على أمواج الإذاعة المركزية بالرباط.
13 –التهديدات العالمية على البيئة، سيلفي فوشو، وجان فرانسوا نويل، ترجمة أسعد مسلم، دار المستقبل العربي، 1991، د.ط، ص.40.
14 –التلوث البيئي بالرصاص مصادره وأخطاره وطرق الحد منه، مهندس محمد عبد القادر الفقي، عالم الفكر، ع.3، المجلد الثاني والثلاثون، يناير/مارس 2004، ص.187.
15 –التربية البيئية، مرجع مذكور، ص.35.
ذ. فَضيل ناصري
تعليقات