البهاليل قرية مغربية صغيرة بجوار مدينة صفرو جنوبي مدينة فاس (26 كلم)، تحتضن أسرار وقصص أناس يعيشون زمن الكهف. سكان كهوف حقيقيون في القرن الحادي والعشرين. في هذا المكان المنسي من المغرب العميق يعيش مواطنون مأساة حقيقية وهم يبحثون عن موطىء قدم في الحياة. تاريخياً، عرفت البهاليل بمدينة الكهوف، حيث كانت تشكل الكهوف موروثاً ثقافياً بالنسبة لسكان المنطقة. وبرغم تطور الزمن وانتقال عدد من السكان إلى مساكن عصرية، هناك من لا يزال يستوطن الكهوف المهترئة والقديمة والتي تنتفي فيها شروط العيش الإنساني، وذلك بسبب الظروف المادية المزرية لمعظم السكان. كثيراً ما يضطر هؤلاء للتعايش مع مأساتهم الكبرى في ظل إهمال كلي من الدولة التي لم تبذل أي عناء لانتشالهم من حالة البؤس، بحسب شهادات الفاعلين المحليين في المنطقة. ومن الأسباب الرئيسية لظهور فئة كبيرة من السكان تقطن مغاور لا تصلح للعيش الآدمي، تغير التشكيلة الاقتصادية والاجتماعية للمنطقة بالإضافة إلى عامل توزيع الإرث. لكن من المغالطة أن يتم اعتبار الكهف في المجمل سكناً غير لائق، إذ يقول الناشط كمال المريني: ” هناك مأساة حقيقية يعيشها ساكنو المغاور، لكن وجب عدم إهمال معطى طبيعة المنطقة. فالأمر ليس مرتبطاً بالكهف في حد ذاته.
هناك كهوف عديدة حُولّت مساكن عصرية أو ملحقات فقط للمنازل، تستعمل للتخزين وسكانها يعيشون حياة جيدة، بل إن ظهور ظاهرة سكان الكهوف الذين يعيشون أوضاعاً معيشية مزرية راجع إلى عوامل ديمغرافية واقتصادية”. بدوره، يلوم الناشط حسن أبو ربيع الدولة لإقصائها المنطقة من مشاريع التنمية التي استفادت منها بقية المناطق، فبحسبه إن الدولة لم تستغل الكهوف لانتشال منطقة البهاليل من حالة الضياع والفقر التي تعيشها. يقول أبو ربيع: “إضافة إلى فشل الدولة في إيجاد حل للعائلات التي تعيش ظروفاً مأسوية في الكهوف، فإنها عجزت كذلك عن استغلال هذا الموروث الثقافي والتاريخي كما يجب وخصوصاً على المستوى السياحي، فقد كان يمكن مثلاً تحويل الكهوف ورشاتٍ للصناعة التقليدية، أو غرف فندقية”. بعيداً عن المحظوظين الذين استطاعوا تحويل كهوفهم مكان سكن لائق عبر إعادة بنائه وترميمه بطريقة حديثة، يعيش آخرون مكابدة مريرة.
“حجو” (اسم أمازيغي) امرأة مسنة شارفت على السبعين من عمرها تظهر عليها علامات تعب السنين، تسكن كهفاً صغيراً مع ستة أفراد آخرين، يوشك على السقوط على رأسها. مغارة لا إنارة فيها. المشهد داخل الكهف مفجع. الجدران ليست جدراناً والأفرشة القديمة التي تملكها لا تقيها البرد. الصور وحدها كافية للتعبير عن ما تعيشه هذه المرأة المسنة. لا تملك الأسرة التي تسكن هذا الكهف الآيل للسقوط القدرة على دفع تكاليف ترميمه أو الانتقال إلى سكن آخر.
حالة هذه السيدة ليست الوحيدة، فحفيظ، وهو شاب في الثلاثين من عمره، يعيش ظروفاً مماثلة في الكهف الذي يؤويه هو وجدته المقعدة. يحكي حفيظ عن معاناته قائلاً: “هذه حياة لا يمكن لإنسان أن يحياها، لقد مللت من كثرة الشكوى، لا نوافذ ولا تهوية ولا أي شيء يوحي أن من يسكن هنا إنسان، كما أننا نعاني من انعكاسات الرطوبة. نحن نعيش في الكهف وهو على هذه الحالة منذ نحو 13 سنة، لكننا لا نملك حلاً آخر، ولا نستطيع أن نذهب إلى أي مكان”. يعتقد فوزي هليبة أحد أبناء القرية أن الحل لانتشال هؤلاء السكان من الوضع المؤسف هو وضع مشاريع تمكنهم من الحصول على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية التي حرموا منها نتيجة الإهمال المتواصل، “على الدولة أن تضطلع بمهمة تأهيل هذا الموروث لخلق متنفس في هذه المنطقة. إلى اللحظة نسجل غياب الاهتمام بسكان الكهوف بشكل مطلق، إذ يمكن استغلال هذه الكهوف وتحويلها نقطة جذب سياحي ومصدر رزق بالنسبة لعائلات المنطقة”.
يمكن تلخيص القصة كالآتي، البهاليل قرية ضائعة في زحمة الجغرافيا المغربية لم تعرف في تاريخها حياة أخرى غير الكهف. مع العلم أن الكهف بالنسبة للسكان المحليين إرث تاريخي أهملته الدولة وطوره السكان المحليون دون أن يتخلوا عنه، غير أن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية جعلت عدداً من السكان يعيشون حياة الجحيم.
عماد استيتو
تعليقات