بصرف النظر عن حيثيات الموضوع ودوافعه، التي سال حولها مداد كثير وأكيد سيستمر، سأحاول في هذا الاختصار معالجة بعض الأسئلة المرتبطة بالتعديل الذي طال القانون المنظم للانتخابات من قبيل: ما هو القاسم الانتخابي؟ وهل العدالة والتنمية سيتضرر من القاسم الجديد؟ وهل هذا التعديل يخالف الدستور والديمقراطية؟
لمحة عن القاسم الانتخابي:
ليست الغاية إدخال القارئ غير المتخصص في تفاصيل الموضوع، وإنما غاية هذا المقال المختصر هي تبسيط ما نتحدث حوله. وهكذا يمكن إجمال الأمر في الآتي: يكون القاسم الانتخابي ضروريا في الانتخابات التي تكون على أساس اللوائح، حيث نلجأ إليه لمعرفة عدد الأصوات التي يحتاجها المرشح للفوز بالمقعد الانتخابي. مثلا: إذا كان عدد المصوتين في الانتخابات 60 ألفا، وعدد المرشحين في دائرة معنية هو 3، وكان القاسم يتم بناء على عدد المصوتين (أي عدد الأصوات المعبّر عنها)، فإن القاسم الانتخابي هو 20 ألفا، أي أن كل من حصل على هذا العدد من الأصوات يكون فائزا بالمقعد. وأما إذا فازت لائحة مكونة من ثلاثة مرشحين بـ 28 ألف صوت مثلا، وفازت لائحة أخرى بـ 20 ألف صوت، ولائحة ثالثة بـ 6000 صوت، ولائحة رابعة بـ 5000 صوت، فإن النتيجة تكون على النحو التالي:
اللائحة الأولى: تفوز بمقعد واحد، ويتبقى لها 8000 صوت.
اللائحة الثانية: تفوز بمقعد واحد، ويتبقى لها 1000 صوت.
ولأن اللائحة الثالثة لم تحقق القاسم الانتخابي الذي هو 20 ألف صوت، ولأن اللائحة الأولى بقي لديها 8000 صوت فوق القاسم الانتخابي، فإنها هي التي تحصل على مقعد إضافي، كونها حصدت أكبر بقية. وهكذا نكون أمام فوز حزبين فقط بالانتخابات في الدائرة المعنية، أما باقي الأحزاب فهي لن تحصّل أي مقعد (وهذا يقترب من الانتخاب الأحادي الإسمي، حيث هناك رابح وخاسر).
هذا بالنسبة للقاسم الانتخابي الذي يكون على أساس عدد الأصوات المعبر عنها، وأما بالنسبة للقاسم على أساس عدد الأصوات الصحيحة، فإن الأمر لا يختلف إلا من حيث إنه قبل تحديد القاسم الانتخابي، ينبغي أولا حذف الأصوات الباطلة أو الملغاة؛ فمثلا في المثال السابق: لو أن عدد الأصوات المعبر عنها (يعني أصوات الذين ذهبوا لصناديق الاقتراع) هو 60 ألفا، منها 6000 صوت ملغاة، فإن القاسم الانتخابي يكون على النحو التالي (54000 مقسومة على 3 مقاعد = 18000)، ومن ثم فإن أي لائحة حصدت هذا القاسم تعتبر فائزة بمقعد، وإذا كانت لديها أكبر بقية فإنها تفوز بمقعد ثان، وذلك على غرار العملية الحسابية التي قمنا بها في المثال السابق.
القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين:
بما أن النظام الانتخابي في المغرب لا يسمح بالتصويت إلا للمسجلين في اللوائح الانتخابية، فإن القاسم الانتخابي الذي دافعت عنه الأحزاب السياسية المغربية باستثناء العدالة والتنمية، قائم على أساس عدد المسجلين وليس عدد المصوتين. مثلا: لو أن دائرة يقطنها مليون مواطن، نصفهم أقل من 18 سنة، والنصف الآخر هو الذي بلغ سن التصويت (أي 500 ألف)، وداخل هذا النصف هناك من لا يحق لهم التصويت (حاملوا السلاح و فاقدوا الأهلية الانتخابية)، فلنفترض أن الذين يحق لهم التصويت هم 400 ألف، لكن لم يَتسجّل منهم إلا 210.000، فإن القاسم الانتخابي يكون على النحو التالي: 210.000 مقسوم على 3 مقاعد = 70000. بمعنى أنه لكي يفوز المرشح بالمقعد، يجب أن يتحصل على 70000 صوت. وهنا سيفرض السؤال نفسه: ماذا إذا لم يحصل أي مرشح على هذا القاسم الكبير؟
حول هذا السؤال بالضبط احتدم النقاش بين حزب العدالة والتنمية وباقي الأحزاب، لأن الأخيرة تعلم أنه من المستحيل أن يبلغ أي حزب القاسم الانتخابي، وهذا ما أكدته الانتخابات السابقة، فإنها دافعت عن هذا النمط في تحديد القاسم، محاولة منع حزب العدالة والتنمية من الفوز بمقعدين في نفس الدائرة، لأنه إذا لم يحصل أي من الأحزاب على القاسم الانتخابي فإن النتيجة تكون على النحو التالي:
– إذا فازت اللائحة الأولى مثلا بـ 50 ألف صوت، فإنها تحصل على مقعد واحد.
– إذا فازت اللائحة الثانية مثلا بـ 10000 صوت، فإنها تفوز بمقعد واحد.
– إذا فازت اللائحة الثالثة مثلا بـ 3000 صوت، فإنها تفوز بمقعد واحد.
وهكذا تتساوى اللائحة التي فازت بـ 50 ألف صوت مع اللائحة التي فازت بـ 3000 صوت، وهنا يطرح سؤال العدالة الانتخابية، إذ كيف يمكن أن يتساوى في البرلمان نائب برلماني نال تفويض 50 ألف مواطن مع من نال تفويض 3000 ناخب، في نفس الدائرة وليس دائرة أخرى؟
هل سيتضرر حزب العدالة والتنمية من هذا التعديل؟
بناء على نتائج انتخابات 2016 (واكبناها بمؤلف جماعي عنوانه: تشريعيّات 2016 بين إنعاش الآمال وتكريس الإحباطات: قراءة في النتائج والتداعيات)، احتل حزب العدالة والتنمية المرتبة الأولى متبوعا بحزب الأصالة والمعاصرة بفارق كبير عن باقي الأحزاب، وقد استطاع هذان الحزبان أن يفوزا في العديد من الدوائر بأكثر من مقعد (فاز العدالة والتنمية في المدن الكبرى: مراكش، البيضاء، الرباط، أكادير، فاس، وجدة، المحمدية، طنجة، تطوان..إلخ. بينما فاز الأصالة والمعاصرة في القرى والمدن الصغرى). ولأن العدالة والتنمية ليس لديه امتداد كبير في القرى والمدن الصغرى، فإنه يعتقد أن القاسم الانتخابي على أساس المسجلين سيحرمه من تحقيق انتصارات كبرى في المدن على غرار سنة 2016، وذلك كونه يمنعه من الحصول على مقعدين في الدوائر التي لديه فيها نفوذ.
إذا كانت هذه هي الحيثيات، فإنه لا بد من تسجيل أن الأحزاب السياسية المغربية، تقوم بعملية يمكن أن نطلق عليها “إنكار الواقع”؛ فحزب العدالة والتنمية حاسمٌ أمره بأنه سيحقق نفس النتائج السابقة، بينما تدخل الأحزاب المناوئة له غمار الانتخابات بنفسية المنهزم، لأنها منذ الآن تعطي للعدالة والتنمية المرتبة الأولى، وتحاول أن تقلّل من فوزه من خلال اللجوء إلى تعديل القاسم الانتخابي، على الأقل حتى لا يكون انتصاره كاسحا. والحال أن عملية إنكار الواقع هذه، تعيد بعثرة الحسابات السياسية، لأنه لا العدالة والتنمية لديه من الإحصائيات أو المؤشرات ما يؤكد استمراره في اكتساح المدن الكبرى، ولا الأحزاب السياسية المتنافسة معه لديها من الحنكة السياسية ما يمنعها من التسليم للعدالة والتنمية بالتفوق، وهذا ما يزيد في أسهم حزب المصباح ويسحب من شعبيتها.
وليست هذه هي المرة الأولى التي تمنح فيها الأحزاب والدولة جرعات حياة إضافية لحزب العدالة والتنمية، فهو كلما أوشك على النزول من مقدمة الترتيب، إلا وتدخلت ممارسات سياسية معنية تعيده إلى الأضواء مباشرة قبل الانتخابات بأيام، وهذا حال ما حدث قبل انتخابات سنة 2016 سيما مع المسيرة الشهيرة التي كانت بالدار البيضاء والتي يطلق عليها في مواقع التواصل الاجتماعي “مسيرة ولد زروال”. علما أن حزب العدالة والتنمية لن يستفيد من هذه الجرعات السياسية فقط، وإنما أيضا قد يستفيد من القاسم الانتخابي على أساس المسجلين أيضا، وتفصيل ذلك في الفقرة الموالية.
بالكثير من التحليل المبني على المؤشرات والقليل فقط من المعطيات في غياب استطلاعات الرأي، يمكن القول إنه ليس هناك ما يفيد أن العدالة والتنمية سيفوز في جميع الدوائر التي حقق فيها انتصارات الانتخابات السابقة، وإذا فاز فيها، فإنه لا مؤشرات تقول بأنه سيفوز بجميع الدوائر مثلا في مراكش والبيضاء والرباط وطنجة وفاس…إلخ، وحتى إذا فاز في جميع هذا الدوائر فإنه فقد القوة التي تجعله يفوز بمقعدين أو ثلاث عن نفس الدائرة كما حدث سنة 2016، لأن الحزب فقد من شعبيته الكثير نتيجة عديد القرارات التي اتخذها خلال السنوات السابقة، مما يدفع للاستنتاج أن مجموعة من العاطفين عليه قد نزلوا من سفينته الانتخابية، كما يرجح أنه بدأ يضيع أيضا حاضنته الأساسية المتمثلة في الأوساط المحافظة سيما في ظل توقيع أمينه العام الحالي لقرار التطبيع مع “إسرائيل”، وموافقة الحكومة على تقنين نبتة “القنب الهندي”، إضافة إلى الصراعات الداخلية، وفقدان قوته الضاربة المتمثلة في أمينه العام السابق عبد الإله بن كيران (ربما لم يكن في مقدور الأمين العام الحالي، الفوز بمقعده في غياب استعانته بابن كيران الذي أطر له مهرجانا انتخابيا كبيرا في مدينة المحمدية).
التحليل أعلاه، أفادنا من حيث إن القاسم الانتخابي قد يكون أنقذ حزب المصباح من سقوط انتخابي كبير، وهذا ربما الذي لم ينتبه له الحزب نفسه بسبب “إنكاره للواقع”، وأيضا لم تنتبه له الأحزاب المدافعة عن هذا القاسم، ولتفسير ذلك ينبغي أن نعود إلى نتائج الانتخابات السابقة، حيث إن الحزب لم يفز في عشرات الدوائر التي ترشح فيها، كون منافسيه كانوا أقوى منه، لكن الفاصل الذي حال بين مرشحيه وبين الفوز كان ضئيلا، وغالبا ما كان السبب هو أن منافسه فاز بالمقعد الثاني لأن “أكبر بقيته” كانت أعلى من نتيجة مرشح الحزب. الأمر الذي سيستفيد منه حزب العدالة والتنمية في الانتخابات القادمة إذا ما أجازت المحكمة الدستورية القانون، لأن مرشحيه قد ينجحون في جميع الدوائر (من الوارد أن الحزب سيغطي كل الدوائر)، وسيعوض خسارة المقعد الثاني في بعض الدوائر بالحصول على مقعد في دوائر كان سيفقدها أو التي لم يفز فيها سابقا. بمعنى أنه قد يفقد مقاعد في النتيجة العامة، لكن ذلك لن يحول دون حصوله على مرتبة أولى تمنحه حق تكليفه بتشكيل الحكومة.
تجدر الإشارة أيضا في هذا السياق، أن قوة حزب العدالة والتنمية ليس من داخله في جميع الأحوال، بل من خارجه أيضا؛ فلولا الضعف الذي تعاني منه الأحزاب المتنافسة معه، لما استطاع الفوز عليها، حيث يشبه الأمر نزالا في ميدان الملاكمة، يشارك فيها طرفان: الأول ضعيف وهزيل، بينما الثاني أضعف منه، لذلك سيُسوّق انتصار الضعيف على أنه انتصار، والحال أنه انتصار الضعيف على من هو أضعف منه. لذا أمكن القول إن حزب العدالة والتنمية وباقي الأحزاب تستفيد فقط من انغلاق الحياة السياسية وعزوف المواطنين عن المشاركة السياسية لأسباب متعددة ليس هذا مكان مناقشتها. فلو فتحت اللعبة السياسية وتدمقرطت لربما رأينا فاعلين جدد ضمنها، وأضيفت لها دماء جديدة تنقذها من رتابتها وتيهها.
في أن القاسم الانتخابي على أساس المسجلين غير دستوري ويتناقض مع المبدأ الديمقراطي:
ليس المبتغى في هذه النقطة الدخول في استعراض النصوص والحيثيات، ما دام الأمر يتعلق بمقال توضيحي في الموضوع، وربما تكفي الإشارات القادمة، على أن تتلوها قراءة مستفيضة بعد صدور قرار المحكمة الدستورية في الموضوع.
وعندما نقول بأن هذا القاسم يبتعد عن الروح الديمقراطية، فإن مرد ذلك إلى كونه يسهم في بلقنة الحياة السياسية، ويجعل كل الأحزاب السياسية ممثلة في البرلمان سيما إذا تعلق الأمر بأحزاب المغرب التي تشبه الكارتل حيث تُظهر الاختلاف لكنها في العمق متشابهة، ومن ثم تحتاج الأغلبية الحكومية أحزابا عديدة لكي تتألّف، وتصبح المعارضة مشكَّلة من فسيفساء حزبي. كما أنه سيصبح من الصعب أو من المستحيل الحديث عن البرنامج الحزبي، ما دام من غير الممكن تشكيل حكومة بحزب واحد أو حتى بثلاثة أحزاب، إضافة إلى المشكلات الأخرى التي سترتبط بالبلقنة الحزبية، من قبيل: تضخيم عدد الوزراء بالحكومة جبرا لخواطر الأحزاب المشكلة لها، وتقليص العدد اللازم لتشكل فريق برلماني وما يستتبعه ذلك من نفقات مالية على الفرق النيابية، والتنافس على الوقت المخصص للأسئلة الشفوية، علما أن العديد من الأحزاب السياسية لن يكون في مقدورها تشكيل فريق برلماني، مما يفقدها المشاركة الفعالة.
من هنا جاء جاء الاستنتاج بأن القاسم الانتخابي على أساس المسجلين، لن يزيد الحياة السياسية إلا تبعثرا وتيها. وأما القول بأن من شأنه إتاحة الفرصة لجميع الأحزاب بأن تكون ممثلة في البرلمان، فهو قول مردود، وذلك لكون الغاية في المشاركة السياسية ليست هي التمثيل في المؤسسات السياسية وإنما التمثيل الفعال، وإلا ما الذي يمكن أن يقدمه حزب سياسي ممثل بنائب أو اثنين في البرلمان؟ وأين تكمن العدالة الانتخابية في فوز لائحة حصلت على 50 ألف صوت بمقعد، بينما تفوز لائحة حصلت على 7000 صوت بنفس النتيجة؟ علما أن المغرب لا ينهج الديمقراطية التوافقية، التي تضطرّ إليها الدول المنقسمة على ذاتها عرقيا أو دينيا، مثلما هو الحال في سويسرا ولبنان، والتي تفرض أن تتمثل جميع العرقيات في المؤسسات، وإنما ينهج الديمقراطية التمثيلية التي من إيجابياتها وعيوبها أيضا، أن هناك رابح وخاسر، وأن صوت واحد يمكن أن يشكل الفارق (صاحب 51 في المائة يفوز بكل شيء، والذي يحصل على 49 في المائة يخسر كل شيء)، لكن من إيجابيات الديمقراطية أنها تفرض على الأغلبية أن تحترم الأقلية وتسمح لها بأن تبحث عن سبل تحولها إلى أغلبية في الانتخابات المقبلة. ما يعني أنه ما على الأحزاب السياسية التي لم تستطع الفوز في الانتخابات، إلا العودة إلى المجتمع، والقيام بنقد ذاتي، والاستعداد لمعارضة الأغلبية، والبحث عن الشعبية اللازمة لكي تفوز في الانتخابات الموالية، لا أن تلجأ إلى القانون لكي تمنح لنفسها بعض المقاعد التي لا فائدة منها.
إضافة إلى الأسباب أعلاه والتي يمكن أن يستند عليها القضاء الدستوري من أجل إبطال هذا القانون، لأن القاضي الدستوري مخول بأن يحمي الديمقراطية وقيمها المثلى، وليس فقط الوقوف عند البنود الدستورية وإنما تأويلها بما يتوافق وروح الديمقراطية. إضافة إلى ذلك فإن القاسم الانتخابي على أساس المسجلين يثير مشكلات قانونية تجعله أقرب إلى البطلان؛ فمن المعلوم أن المساهمة في الحياة السياسية لا تعرف عنوانا واحدا فقط، وإنما قد تتجلى أيضا من خلال التسجيل في لوائح الانتخابات من أجل احتساب الصوت في مقاطعة الانتخابات (نسبة المشاركة مرتبطة فقط بالمسجلين) من أجل تبليغ رسالة معينة. وهذا ما لا يمكن أن يتحقق في ظل قاسم انتخابي على أساس المسجلين، لأنه لا يأخذ في الاعتبار الذين رفضوا التوجه للتصويت، وإنما يجعل أصواتهم محددة في الانتخابات. مثال: دائرة عدد المسجلين فيها هو 210.000، لكن عدد المصوتين هو 60.000، الطبيعي هو أن يكون عدد الأصوات المعبر عنها هو المحدد لا الذين رفضوا التصويت. وبالتالي بدل أن يكون القاسم هو 20.000 سيكون هو 70.000، وهذا سيحرم المقاطعين من تبليغ رسالتهم إلى أركان اللعبة السياسية.
وتتصل المسألة الأخرى التي تجعل القاسم الانتخابي غير دستوري في كونه يجعل الموتى وفاقدي الأهلية مؤثرين في الانتخابات، وهذا شرحه: هَبْ مثلا أن المسجلين في دائرة معينة هو 100 ألف، وأن آخر أجل لتحيين اللوائح الانتخابية هو 30 مارس وأن الانتخابات ستجرى في 30 يونيو، وأن هناك حوالي 10.000 من المسجلين توفوا، وأن ألف مواطن أصبحوا من فاقدي الأهلية الانتخابية (أحكام قضائية)، وأن ألفًا من المواطنين المسجلين أصبح ممنوعا عليهم التصويت (حاملوا السلاح مثلا)، ولأنه لا يمكن تحيين اللوائح قبيل الانتخابات مباشرة، بل يستحيل ذلك من الناحية التقنية، فإنه من غير المقبول أن يتم إحصاء 12 ألف مسجلا مثلا من أجل تحديد القاسم الانتخابي في دائرة معينة.
من الناحية الشكلية، يمكن البحث في غايات المشرعين من إقرار القانون مثار الجدل، وذلك كون التعديل يأتي قبل الانتخابات بأشهر قليلة، ما يفيد أن للمصوتين غاية خاصة من خلاله، وهذا يشكل انحرافا تشريعيا، بموجبه يتم توظيف السلطة التشريعية من أجل أهداف حزبية ضيقة، وليس تحقيقا للمصلحة العامة. والحال أن البرلمان ينبغي، في الفترة التي تقترب من الانتخابات، أن يتوقف عن تشريع أية قوانين لها علاقة بالمشرعين أنفسهم، من قبيل الزيادة في تعويضاتهم أو إطالة مدة بقائهم في المؤسسات، أو الزيادة في مدة ولايتهم أو غيرها من التشريعات التي يكون فيها النائب البرلماني مستفيدا بشكل مباشر. وهذا ما توفر في قضية القاسم الانتخابي، حيث إن الذين يشرعونه اليوم سيستفيدون منه غدا في الانتخابات. لذلك ينبغي إرجاء أي تعديل غير متوافق حوله إلى ما بعد الانتخابات حتى تكون الغاية هي المصلحة العامة وليس المصالح الضيقة.
عموما، يمكن القول بأن القاسم الانتخابي على أساس المسجلين، هو من الناحية الأكاديمية أمر غير مسبوق ولم يقل به أي فقيه دستوري، وغير معتمد في أي نظام سياسي عالميا، لا تاريخا ولا حالا ولا أظنه سيكون مستقبلا، لذلك سيضيف أساتذة القانون الدستوري عبارة إضافية إلى مقرراتهم، أثناء تدريس محور الأنظمة الانتخابية، تتمثل في الآتي: “يحدد القاسم الانتخابي على أساس عدد الأصوات الصحيحة، أو على أساس الأصوات المعبر عنها، أو على أساس المسجلين كما هو الحال في المغرب”، بل ستكون هناك عبارة إضافية أخرى، تتجلى في :”أو على أساس المسجلين بخصوص الانتخابات الوطنية، وعلى أساس الأصوات المعبر عنها بالنسبة للانتخابات المحلية كما هو الحال في المغرب”. وهنا قد يلعن طلبة العالم “مشرّعينا” لأنهم أضافوا إلى المقرر الدراسي في القانون الدستوري عملية إحصائية أخرى تزيد من محفوظاتهم، سيما وأن أغلبهم “أدبيون” وعلى علاقة غير ودّية بالرياضيات.
عبد الرحيم العلام
تعليقات