
في سياق الحملة المحلية والمبادرة الدورية في بناء الزوايا والقباب على الأضرحة والقبور, وإقامة المواسم بضواحي المدينة جاء هذا المشروع التنموي كنقلة نوعية في تاريخ مدينة “تيزنيت”,لكن قبل الخوض في تفاصيل هذا المشروع الذي ننوي إقامته, سأعرض عليكم بعض النقاط لعلنا نتفق عليها, ثم نضع بعدها الحلول والمقترحات, لنؤسس لأرضية علاج مناسبة لهذه الظاهرة البيوسيكولوجية!! ثم بعد ذلك نضع الخطوط العريضة التي سنشتغل ونركز عليها لإنجاح هذه المبادرة.
كتمهيد للمشروع نقول : أصبح الآن من شبه المستحيلات أن تُقْنع مجتمعاً كالمجتمع السوسي بالحكم الشرعي للمواسم – سواء بالجواز أو التحريم – وخصوصا منهم بعض المتشددين والمتشدقين,وهذا يرجع أساسا إلى البيئة الاجتماعية والثقافية من الأعراف والتقاليد التي جُبل عليها أهل هذه المنطقة, و يظهر ذلك جليا من حرصهم البالغ على الاحتكام إلى الموروث العقائدي الذي ورثوه عن الآباء والأسلاف والأجداد على حساب العقيدة الصحيحة السليمة الأمية البسيطة – كما عبر عنها الإمام الشاطبي – التي عُرفت ونُقلت عن السلف,وحتى الفقهاء مع الأسف ساهموا في توطين وتوطيد هذا الفهم العقيم في العقول والمدارك والأفهام,مع العلم بأنهم هم المسؤولون شرعا قبل أي جهة رسمية عن دفع هذه العشوائية والغوغائية التي اقتحمت صفوف “العوام”,فمنهم – أي الفقهاء – من توقف أمام هذا الواقع ولم يعقب!! ومنهم من استيقنتهُ نفسهُ فجحد به!!ومنهم من قضى نحبه!!ومنهم من حافظ على منصبه كإمام, ولم يتدخل في عملية الإصلاح الجاد واختار موقف الحياد,وماتت في نفس الفقيه أو كما نسميه بلغتنا العامية “الطالبْ نتمزكيداَ” الغيرة على هذا الشعب المغربي التيزنيتي الأبي, وكذا الغيرة على عقيدته – مع الأسف أن الأئمة لا ينخرطون – خصوصا بتزنيت إلا من رحم الله – في عملية الإصلاح والتغيير- .وهناك طرف ما زال قائما على أمره وما أُمر به وكُلف, ولكنهم أئمة اشتد حالهم ونزعهم,ويشتغلون دائما في خوف وخفية وترقب وخطر؟؟؟وصاروا مخيرين بين حلين إما أن يختاروا السكوت, وإما أن يوجهوا بأمر مستعجل نحو الباب الخلفي للمسجد والعزل والرحيل, ليطلع على القوم إمام منورٌ ومؤهلٌ ومتمكنٌ علمياً ومنهجياً وبجميع المواصفات المطلوبة في مهنة الإمامة والخطابة!!!ومن الأئمة من اختار المغادرة الطوعية بسبب هذا الضغط والتضييق في المهنة الربانية والحرية الكاملة التي خولها الشارع للأئمة من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في إطار نشر وعي ثقافي وأخلاقي وتربوي هادف يروم إلى صلاح وإصلاح الجماعة والمجتمع لبناء مشروع إسلامي حضاري قوي يملك قوت يومه وبالتالي قراره,وهناك صنف آخر من الأئمة بسبب غلوهم وتشددهم يضربون بالنعال,وتجش رؤوسهم جراء الرجم بالحجارة ,ويقذفون من نوافذ المساجد دون نقاش أو سبق إنذار, وهؤلاء الفاعلون لا ألومهم على شدتهم وغلظتهم في التعامل , وإنما ألُوم المفعول به لأن ما صدر من الفاعل, إنما كان عن رد فعل قوي حين ذكر أولياء الله وقبور أهل الفضل والصلاح بالسوء, لأن بعض الأئمة حقيقة لا منهج لهم في الحوار ولا في التعامل والإرشاد, كل همهم أن يحرموا ويبدعوا ويفسقوا دون نصح باللين ولا بالتي هي أحسن ولا بالكلمة الطيبة – عياذا بالله – ولا يكلفون أنفسهم البحث عن حلول ولا بدائل للأمة, لأن التحريم على الناس سهل يتقنه أي واحد ولكن الصعب أن تجد لهم بديلا,أما النصح والتواصل – الذي ذكر- فإنه لا يكون ولا ينجح بالغلظة, فقد أمر الله باللين مع من قال “أنا ربكم الأعلى” فكيف بمن يقول “سبحان ربيَ الأعلى”!!!!؟؟؟والأحكام في أصل وضعها أحكام تربوية,فلابد من اختيار الأسلوب الحسن في التعامل والتربية,فهم حقيقة يستحقون هذه الردود العنيفة لأنهم يخاطبون الناس دون مراعاة سُنة التدرج التي راعاها الإسلام في تحريم الخمر مثلا,ونقف على مثال آخر كأنموذج رائع في مراعاة سيدِ البشر صلوات ربي وسلامه عليه لأحوال المكلفين وواقعهم, ولعل حديثا واحدا يكفي في هذا الباب – مراعاة الرسول ورفقه بالعباد- حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة “لولا أن قومك حديثو عهد بكفر – وفي رواية “حديث عهد بإسلام” وفي أخري “بجاهلية” – لهدمت الكعبة ولبنيتها على قواعد إبراهيم “- والحديث في الصحيحين و بروايات مختلفة – وكما قال أستاذنا الفاضل فضيلة الدكتور “خالد مدرك”- في أحد محاضراته في مادة العقيدة- :”أكلناها مَرة, فوجدناها مُرة, فتركناها المَرة” فالأمة الآن تحتاج من جديد إلى السير على هذا التدرج لأن الناس رجعوا إلى ضلالهم البعيد, وتخلفوا إيديولوجيا, وأصبحوا في حكم حديثي العهد بالإسلام, فاحتاجوا إلى فتْح جديد وقريب, فلابد إذًا من مراعاة أحوالهم والصبر عليهم, والرفق بهم فمن الناس – وهذا مشاهد في واقعنا – من لا يفقه كلام الشيخ ولا ينصت له إلا إذا قدمه الشيخ في حُلة فكاهية فنية!!؟ وهذا من صميم الحكمة التي أمر الله دُعاةَ الخير الالتزام بها, حتى تعم الفائدة ويُبلَغ المقصود,كأن تأتيهم بأبيات تحكي عن واقع الناس في تعلقهم بالقبور, وهذا طبيعي في مثل هذه البيئة البدائية المتقوقعة, وسيرا على هذا النهج فقد اخترت أبياتا لطيفة لإخواني وأخواتي الأحبة من تزنيت وخارجها أهديها لهم من خالص القلب:
يا من يطوف بقبر الميت يسأله *** دفع البلايا وبطش الدهر إن بطَشا
إن تشكُ عقما فإبراهيم يصرفه *** وإن شكوت جنونا فأت شمْهرُشا
أبِحمق يُبْرئُهُم أبوهم عمرُ؟؟؟؟ *** فاقصُدهُ إن شئت تُشفى وتنتعشا
رحالُ حج الفقيرِ الضالُ يَقصدُها *** بلا منىً زارها أو تربَها افترشَا
المالُ والدورُ في الحمراء تدركها *** رجالُها سبعةٌ فازدد بهم عطشا
حمقٌ كحمق بلادٍ ليستُ أعرفهُ *** يا ليت هذا الضريح انهد وانتهشَا
أيا حماراً بلا أذنين تحملها *** فلْتصْحبِ الهديَ والمخلاةَ والفرشا
كالكلبِ حارسُ قبرٍ إن حملت له *** هديًا يُبصْبصْ إنْ تركتَهُ هرشَا
وإن هويتَ على رجليهِ تُشْبعها لتماً *** تبخْتر كالطاووسِ وانْتفشا
العلم إن يصْطحبهُ المرء أَنظرهُ *** والجهلُ عيبٌ فإن رافقتهُ خدشَا
عم الضلالُ وسادَ الجهلُ وانتشرتْ *** مفاسدٌ وسرَى حبُ الهوَى وفشَا
لِمثلِ هذا يدوبُ القلبُ من كمدٍ *** لِمثل ذلِك شابَ الوجهُ وانكمشَا
والله لولا عطاءُ الله ما وجِدتْ أرضٌ *** و لا دب فيها كائنٌ ومشَا
ولاستقامتْ على الأرضِ لْحياةُ ولا *** ماجَ الربيعُ فأهدى عِطرهُ ووشَا
فقل لمنْ باتَ يبغي النفعَ من بشرٍ *** لقدْ جُننتَ فتِهْ في الأرضِ كيفَ تشَا
لا تطلبِ العوْنَ بعد اللهِ من أحدٍ *** فَاللهُ يفعلُ ما يريدهُ ويشَا
ومنذ صغري وسؤال يراود دهني ويحيرني, لماذا لا نسمع في سير السابقين ولا نجد في تراجمهم أنهم تقام لهم المواسم والزيارات والمزارات و”إِلْمُوكَرْنْ”ولم نسمع أن قبر أحدهم تشد إليه الرحال والأسفار أو تبنى عليه القباب والبنايات والجدران ,فأسأل الأساتذة الباحثين والفقهاء والأئمة والدارسين – لأننا هنا في مرحلة حوار وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه معصوم بالوحي – أن ينقبوا ويقلبوا كتب التاريخ فيمدونا بتوقيت مواسم الصحابة لكي لا نحرم من أجر زيارتها؟؟؟!! فأنا على حسب اطلاعي القاصر لم أسمع قط بموسم أبي بكر ولا بموسم عمر و لا عثمان ولا علي.. رغم أنهم خير القرون وأفضل الناس بعد الرسل وهم أعظم الأولياء وصفوة الصالحين والنبلاء بتزكية الله لهم في كتابه فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين؟؟؟؟؟؟
وبعد هذه الأبيات التي أظن أنكم استمتعتم بها والتي نسأل الله النفع من ورائها والإخلاص,فأقول أن هذا المشروع الخيري التنموي والحضاري الذي سيدر الدخل على الفرد, وسينعش اقتصاد البلد, وإن شاء الله أنا أتوعدكم أنني سأتقدم إن نجح هذا المشروع بمشاريع خيرية أخرى للرأي العام بعناوين “للا تَكْنَريتْ” و”للا تَزْكمُوتْ” و”للا تَلْهنْدِيتْ”و للا تَزْرُوتْ”ثم”للا تَلْكُمِرْتْ”..ولكن نجاحها طبعا سيكون رهينا بمساندة واستجابة الفقهاء ومد يد العون بعد عون الله إلينا,كما أقول لخطباء ولأئمة مدينتنا الغالية “التفتوا جزاكم الله خيرا إلى واقعنا كشباب, فإننا نعاني من فتن الشهوات والشبهات, وقلوبنا مريضة ومفتونة نسأل الله السلامة والعافية – فأقترح عليهم أن يبرمجوا لهذه الأبيات ولمثلها في دروسهم وخطبهم الوعضية والعلمية, وفتح باب الحوار والنقاش الثقافي والعلمي أمام الشباب, وأدعوكم إلى أن تحملوا همهم وتدافعوا عن قضاياهم بالخصوص الشباب التيزنيتي المبدع والواعي, وتخصيصهم بدروس سواء داخل المسجد أو خارجه,لأن نشاط الفقيه يجب أن يكون إيجابيا,و أن يظهر أثره وتأثيره خارج المسجد أما من دخل المسجد فاطمئن عليه فمنطقي أنه ينصاع ويكون “دَرْويشاً” ومن خيرة الناس؟؟! والإجابة عن أسئلتهم ومقترحاتهم فشبابنا والله فيه الخير الكثير, لنرتقي جميعا بهذا البلد الغالي والحبيب, ونرفع الجهل عن أهله كي لا ننعت بأننا نمشي بلا أذنين كالحم…
نسأل الله لنا ولكم الهداية والسداد, وأن يوفقنا جميعا لحب أولياء الله الصالحين والترحم عليهم آناء الليل وأطراف النهار وموالاة أحيائهم دون عبادتهم والإستغاتة والتوسل بهم,فهم والله ساداتنا,ولا فضل لنا بعدهم,ولعنة الله إلى يوم الدين – أقولها وأكررها – على كل من يبغض أولياء الله والصالحين ويذكرهم بالسوء ويعاديهم ولا يواليهم “ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون” الآية.
اللهم فاشهد بأني أحب الصالحين وأولياءك المخلصين,وأقول كما قال الشاعر:
أحب الصالحين ولستُ منهمٌ *** عسى أن أنال بهم شفاعة
وأبغضُ من كانت بضاعته المعاصي *** وإن كنا سواءً في البضاعة
وخير ما نختم به الكلام ونجعله مسك الختام أفضل الصلاة وأزكى السلام على خير البرية والأنام, فاللهم صل وسلم وزد وبارك عليه, وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين. الكاتب: محمد أمين إدحيمود