تعرف المدرسة المغربية ، كغيرها من المؤسسات الحية بالمغرب ، هجوما شرسا من القوى المعادية لهوية الشعب المغربي المسلم ، ابتداء من الهجمة الفرنكفونية التي غزت قلاع أحد مكونات الهوية المتمثل في اللسان و اللغة المغربيين ( العربية و الأمازيغية ) ، والتي مكنت للغة الفرنسية في الحياة المدرسية من التلميذ المبتدئ إلى الطالب المتخرج ، هذا الفيروس تسرب إلى جسم المدرسة الحرة منذ سنوات و بدأ يسري مجرى الدم حاليا في المدرسة العمومية ، و من المعلوم ، أن الجماعة البشرية قد اتفقت في أدوات الإنتاج الحضاري على الرسالة و اللسان و الأمة و الدولة ، و بالتالي فالهجمات المتواصلة على اللسان ما هي إلا سعي لوقف كل تحرك حضاري للأمة المغربية ، و بالإضافة إلى كون النشء ( التلميذ ) عماد الأمة و رجالها في الغد ، فإن الحرب المسعورة على هوية التلميذ ما هي مرة أخرى إلا تكريس لنفس المنطق في قطع السبيل أمام كل نهضة منشودة .
كما تجسد ذلك الهجوم السافر على الهوية في جانب آخر ، أشد خطرا ، و هو ما ترسخه دعوات التمييع و التغريب التي شنت على المجتمع التلمذي و بدت تنخر كيانه ؛ و قد حمل لواء تغريب الحياة المدرسية النخبة العلمانية ببلدنا البعيدة كل البعد عن نبض الشارع و هموم المجتمع و قيمه و حضارته الضاربة في أعماق التاريخ ، نظرا للغربة المفرطة لأيديولوجيتها عن هويته .
هذه النخبة العلمانية عرَّتها الثوراث الدمقراطية في بعض البلدان العربية ، و فضحتها الانتخابات في المغرب ، بما أفرزته النتائج من بغض الشعوب لتلك النخبة اللادينية التي قامت بالسطو على هويتها و مرجعيتها تحت جنح الظلام ! و بما أبرزته من مقدار الحقد الدفين التي تكنه الجماهير لكل ما يعادي قيمها و تاريخها و حضارتها .
عرفت الاستراتيجية العَلمانية عدة منافذ تصل من خلالها إلى ما تصبوا إليه من تمييع التلميذ المغربي المسلم و طمس لملامحه الأصيلة ، باعتباره البوابة الكبرى لتفسيخ المجتمع ككل في المستقبل القريب ، حتى تتمكن فيه جرثومة التبعية الذليلة للقوى المستكبرة في الأرض ، تحت شعارات زائفة كتكوين مجتمع متقدم يساير العصر ، تربية النشء على قيم التسامح و الحرية و الدمقراطية و الحداثة … إلى غير ذلك .
هذه الشعارات ، حق يراد به باطل ، فلا أحد يكره التقدم ، و لا يختلف عاقلان عن قيمة الحرية ؛ لكن كل هذه المبادئ فهي من صميم ما تنادي به مرجعيتنا و من ما يؤكد عليه تاريخنا المجيد ، وما تتكلم به حضارتنا السمقة ، فلماذا يراد الوصول إليها من طريق ملتوٍ ، و من طريق الاستيراد الأعمى من الحضارة الغربية بقبيحها و جميلها ؟ مع العلم أن تلك الحضارة لها خصوصيتها ، و تاريخها الأسود الذي انطلقت من ظلماته مستنيرة بما تختار من باقي الحضارات حتى بنت حضارتها اليوم على ما فيها من السوء و الفوائد على البشرية .
لذلك فكل أمة اختارت طريق النهضة لا بد لها من الانطلاقة من تاريخها و تراثها و هويتها و مرجعيتها ، خصوصا أن تاريخنا أبيض ، لا غبار عليه إلا في القرون الأخيرة حين بدأ الانحطاط ، و مع ذلك يجب أن نستفيد من التجارب المعاصرة ، كي لا نكرر نفس الأخطاء .
و الواجب علينا الاستفادة من الحضارة الغربية في جانب التعليم و التطور العلمي و التكنولوجي الذي مس كل البقاع و الأصقاع من تفتيت الذرة إلى اكتشاف المجرة . بعيدا عن المنزلقات الأخلاقية التي سقط فيها التلميذ الغربي ، نتيجة سياسات دولته .
إن إيهام الناس بأن الُعري و العلم متلازمان و أن الأخلاق و التكنولوجيا منفصلان لمهزلة مكشوفة و لخديعة كبرى ، يُكَذِّبها التاريخ الذي يشهد أن أن الحضارة الإسلامية في عصور الازدهار جمعت بين الأخلاق المحمدية و النهضة العلمية في أرقى حضارة عرفتها الإنسانية .
و إن الإصرار على تنميط حياة المجتمع التلمذي المغربي على شاكلة نظيره الغربي تحت ذريعة ” الحداثة المنشودة ” و ” التقدم المطلوب ” لهو ضرب من الخيال و من قبيل أضغاث الأحلام ؛ أولا لأن التجارب لا تتكرر بل تترقى من الحسن في الأحسن ، ثانيا لأن ذلك بمثابة صفارة إنذار بإعلان إفلاس الحضارة المبتدئة منذ بدايات التأسيس لها و ذلك بإفقادها أحد ركائز النهضة وهي العلم ، لأن الميوعة و الإسفاف و التفكير المستديم في سفساف الأمور و الإشباع الجنسي و استعراض المفاتن و العورات يُبعد التلميذ المغربي المسلم ” تاريخيا” و ”جغرافيا ”، عن تقوى الله سبحانه و تعالى ، و شرط العلم عند رب العالمين هو التقوى . قال تعالى : ” و اتقوا الله و يعلمكم الله ” .
كما لا يخفى على أحد اليوم ، أن الحضارة الإنسانية ، بتعبير سيد قطب رحمه الله ، بحاجة إلى قيادة جديدة . و كما قال رحمه الله في مقدمة ” معالم في الطريق ”: ( إن قيادة الرجل الغربي للبشرية قد أوشكت على الزوال .. لا لأن الحضارة الغربية قد أفلست ماديا أو ضعفت من ناحية القوة الاقتصادية و العسكرية .. و لكن لأن النظام الغربي قد انتهى دوره لأنه لم يملك رصيدا من ” القيم ” يسمح له بالقيادة ).
قال هذا الكلام منذ ما يقارب نصف قرن من الزمان ، و هو الذي خبر الحضارة الغربية عن قرب حين عاش في أمريكا لمدة من الزمان .
صدَّق التاريخ كلام الأستاذ سيد قطب ، فهاهي اليوم الحقائق تشير إلى درجة السعار الجنسي ببلاد الغرب ، و كيف أصبح هم التلميذ الغربي فرجه . و بالتالي ، فذلك ينذر بأن الإنسانية جمعاء في حاجة إلى بديل ، و لا بديل إلا التلميذ المسلم ، الملتزم ، المتفوق ، المبتكر و المبدع .. و بما أن المغرب ، أحد غرف دار الإسلام فإن البشرية في مسيس الحاجة إلى تلاميذه . و لن تكون البشرية يوما في حاجة إلى التلميذ المائع ، عبيد شهواته و نزواته .
و أخيرا و ليس آخرا ( في مجال الصيحات التحذيرية ) ، إن تمييع التلميذ المغربي و تفسيقه و إفراغه من الثقافة الحقة ، لَلَعِبٌٌ بالحديد و النار ، لجريمة نكراء في واضحة النهار و لعبث بمستقبل الدولة المغربية و الأمة الإسلامية و الجماعة البشرية على السواء التي تحتاج إلى تلميذ قوي في مجال الأخلاق و مقدام في مجال التطور العلمي ، يحميها من التكور الحضاري.
http://ayoub-bouakhaden.blogspot.com
أيوب بوغضن
طالب بالثانوي – تيزنيت