الخميس 14 نوفمبر 2024| آخر تحديث 6:32 01/24



هل تتكرر التجربة التركية في المغرب؟

 

 

رغم مرور أكثر من ثماني سنوات على توليه الحكم في تركيا، مازال حزب “العدالة والتنمية” التركي يبهر بآدائه خصومه وأنصاره، فقبل أسبوعين نجح الحزب في الحصول على موافقة  58% من الأتراك على حزمة من التعديلات الدستورية تسعى إلى إبعاد الجيش عن السياسة.

ورغم أن التعديلات المصادق عليها لم تخرج بعد تركيا من قبضة المؤسسة العسكرية التي تنصب نفسها حارسة على المبادئ العلمانية التي قامت عليها الدولة التركية منذ أن أسسها مصطفى كمال أتاتورك، إلا أن الاستفتاء الأخير يكشف مدى نجاح تجربة الحزب في المراهنة على التغيير السلمي الهادئ والتدريجي من داخل المؤسسات. وهو مايقدم تجربة الحزب الإسلامي التركي كمادة للدراسة والتجربة مقارنة مع ما آلت إليه تجارب الكثير من الحركات ذات التوجهات الإسلامية في العالم العربي.

طبعا الإصلاحات الأخيرة التي وافق عليها الأتراك لم تجعل بعد من بلدهم بلدا ديمقراطيا، لكنها تمهد الطريق لإصلاحات أكثر جرأة في المستقبل قد تجعل من تركيا أول بلد إسلامي يدخل نادي الدول الديمقراطية من بابه الواسع. لكن هل كان النموذج التركي سينجح لو أنه استنبت في العالم العربي؟ وإذا ما أعدنا طرح نفس السؤال بصيغة أكثر واقعية، ما الذي جعل النموذج التركي ينجح فيما فشلت فيه أكثر من تجربة في العالم العربي؟

سنحاول في هذه العرض عقد مقارنة واحدة مع تجربة حزب “العدالة والتنمية” المغربي، طبعا مع وجود أكثر من فارق يجعل المقارنة بين التجربتين غير عادلة.

“المعجزة” التركية

لقد كان لافتا للانتباه الترحيب الذي لقيه نجاح الاستفتاء الأخير في تركيا لدى شركائها في الإتحاد الأوربي وفي أميركا التي اتصل رئيسها باراك أوباما برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مهنئا. وليس خافيا أن نجاح التجربة التركية لم يكن ليستمر لولا هذا الدعم الغربي الذي يرى في تركيا  امتدادا لعمق المحيط الأوروبي شرقا.

لكن ليس بالدعم الغربي وحده تحققت “المعجزة” التركية، فالغرب الذي كان حتى الأمس القريب يدعم خصوم الإسلاميين الأتراك من عسكر وعلمانيين، لم يكن ليوجه دعمه للإسلاميين لو لم يتبنوا سياسة براغماتية جعلت خطابهم مقبولا في الغرب. فالإسلاميون الجدد الذين أسسوا حزب “العدالة والتنمية” التركي استفادوا من أخطاء حزب “الفضيلة” الذي حله الجيش، لذلك لم يعلن مؤسسا الحزب الجديد، رجب طيّب أردوغان وعبد الله غول، عداءهم للعلمانية كأساس تنظيمي وفكري للحكم في تركيا، وفي نفس الوقت لم يخفوا الهوية الإسلامية لمشروعهم.

وعمل قادة حزب العدالة والتنمية التركي على بلورة خطاب سياسي براغماتي يراعي  المصالح ويتكيف مع الظروف الجيوسياسية ويبتعد عن التوظيف السياسي للمشاعر والمعتقدات الدينية. وتبنوا سياسة اقتصادية واجتماعية ناجحة، واعتمدوا المعايير السياسية والحقوقية في بناء الدولة وتقويتها. فسعى الحزب إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، واعتمد المقاربات الحقوقية في الدفاع عن قناعات الأشخاص الدينية مثلما حصل في قضية الحجاب، حيث بدا الحزب في موقف المدافع عن الحرية الفردية أمام العلمانيين الذين جعلهم يبدون في موقع القامع لهذه الحرية.

مقارنة مع “التجربة المغربية”

وعلى خلفية النجاح الباهر الذي حققه حزب “العدالة والتنمية” التركي في انتخابات عام 2002، سلطت الأنظار على حزب “العدالة والتنمية” في المغرب، الذي رأى النور قبل نظيره التركي حيث أسس عام 1997، على احتمال إمكانية أن تتكرر نفس التجربة في المغرب، ومع كل انتصار كان يحققه رفاق أردوغان يتسائل المراقبون لماذا لن تتكرر التجربة التركية في المغرب، لكن نادرا ما ينتبه هؤلاء إلى أن التشابه في الأسماء والتقارب في المرجعيات الإيديولوجية لايوصل حتما إلى نفس المصائر.

ففي المغرب تقوم الدولة ممثلة في “المخزن”، أي السلطة المركزية التي يحتكرها القصر تاريخيا، على الشرعية الدينية. وتجسد السلطة هذه الشرعية في مفهوم “إمارة المؤمنين” التي يتولاها الملك في المغرب والتي تعززت ركائزها أكثر مع الملك الحالي. وإذا كان الصراع في تركيا قائم بين مرجعيتين متناقضتين علمانية ودينية، فإن الصراع في المغرب عندما يقوم سيكون أكثر تعقيدا وضراوة لأن نظام الحكم في المغرب لن يسمح لأي حزب بأن يقاسمه نفس المرجعية التي يستمد منها شرعية وجوده واستمراره.

ورغم أن تركيا لم تدخل بعد نادي الدول الديمقراطية إلا أن حزب أردوغان استفاد من وجود الآليات الديمقراطية التي مكنته من البروز كقوة على الساحة السياسية يتولى تدبير الشأن العام ويحقق مكتسبات سياسية واقتصادية واجتماعية جعلت الناس تلتف حوله، وهو مالم يتأتى لحزب “العدالة والتنمية” المغربي الذي تدخلت السلطة أكثر من مرة لتقليص مشاركته في الانتخابات ولتحديد مسؤوليات بعض قيادييه داخل البرلمان وللتأثير على تحالفاته الحزبية كما حصل في الانتخابات البلدية الأخيرة لعام 2009. يضاف إلى ذلك أن النظام الانتخابي في المغرب في حد ذاته غير ديمقراطي، وبالتالي فأكثر ما يتيحه هو المشاركة المقيدة في الحكم وليس الحكم في حد ذاته الذي يظل محتكرا في المغرب من قبل سلطة واحدة مطلقة ومتمركزة في يد الملك.

من جهته، وعكس نظيره التركي، لم يستوعب حزب “العدالة والتنمية” المغربي بعد البعد الكوني للمعايير الحقوقية في خطابه، وهو ما أسقطه أكثر من مرة  في تبني بعض القضايا الثانوية (مثل قضية الحريات الفردية، وبيع الخمور، وماسمي بحرب المهرجانات…)، وهي كلها قضايا خاسرة إذا لم تنفر الناس عن الحزب في الداخل فإنها تقدم عنه صورة مشوهة لا تساعده في تسويق نموذجه في الخارج.

فحزب “العدالة والتنمية” التركي نجح في استدراج الغرب الذي كان معاديا لتوجهاته للوقوف إلى جانبة في وجه العلمانيين والعسكر الذين كانوا يستمدون قوتهم من نفس الغرب، وذلك عندما تبنى إسلاميو تركيا خطابا يقوم على نفس المعايير السياسية والحقوقية المعتمدة في الغرب.

أما في المغرب فإن اقتسام حزب “العدالة والتنمية” نفس المرجعية الدينية مع نظام سياسي غير ديمقراطي، يجعلهما معا في نفس الكفة أمام الغرب الذي يرجح ما تمليه عليه مصالحه قبل مبادئه في مثل هذه المواقف. وما يضاعف التحدي أمام إسلاميي المغرب في قيادة أي إصلاح من الداخل هو طبيعة اللعبة السياسية في المغرب التي لا تسمح للفاعل السياسي إلا بهامش ضئيل من الحركة مقابل استفراد شبه كامل من قبل المؤسسة الملكية بصناعة القرار في أغلب المجالات الحيوية.

يضاف إلى ذلك ابتعاد أو إبعاد حزب “العدالة والتنمية” المغربي عن الاهتمام بالإنتظارات  ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي للمواطن لأنه ببساطة لم يتولى حتى الآن منذ أن أسس عام 1997 الحكم ولم يسمح له بالمشاركة فيه باستثناء بعض التجارب الصغيرة على مستوى تدبير شؤون بعض البلديات.

وتكاد كل مقارنة تسقط عندما نعرف أن حزب “العدالة والتنمية” التركي تتزايد شعبيته كلما طال عمره في السلطة، بينما يخشى من أن تتآكل شعبية “العدالة والتمنية” المغربي وهو بعد لم يصل إلى السلطة، ففي آخر انتخابات شهدها المغرب عام 2009 فقد الحزب 100 ألف صوت من الأصوات التي حصل عليها عام 2007، والرهان سيكون أمامه كبيرا في انتخابات 2012 ليثبت هذا الحزب ما إذا كان للتجربة المغربية من مستقبل ليس بالضرورة أن يكون استنساخا للتجربة التركية…

علي أنوزلا

تنويه: كتب هذا الموضوع قبل مجيء “الربيع العربي”، الذي غير الكثير من المعطيات في المنطقة، وكان من بين العوامل الأساسية التي ساهمت في فسح المجال أمام “العدالة والتنمية” المغربي ليتبوأ المرتبة الأولى في الانتخابات السابقة لأوانها التي شهدها المغرب في 25 نوفمبر الماضي، ومكنته من قيادة الحكومة الجديدة التي ما زالت لم تباشر أعمالها بصفة فعلية في انتظار حصول برنامجها على ثقة البرلمان.