يعتبر قطاع التعليم والتكوين من القطاعات الرافعة للتنمية في أي مجتمع من المجتمعات، ومؤشر التعليم من المؤشرات الأساسية التي تقاس بها التنمية البشرية عبر العالم. كما يعتبر تكوين العنصر البشري حجر الزاوية في قياس تقدم المجتمعات. وأخذا بعين الإعتبار هذا وذاك يمكن القول أن المدرسة هي المؤسسة الجديرة بالإحتضان والرعاية من طرف المجتمع كل في دائرة اختصاصه وحسب إمكانياته. وتبقى جماعة الساحل بإقليم تزنيت من الجماعات القروية التي يعاني فيها قطاع التعليم من مشاكل كثيرة رغم الإمكانيت المتوفرة الشيء الذي يؤثر على مردودية المدرسة وجودة التعليم بالمنطقة . ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه ظهرت في الآونة الأخيرة فكرة ما اصطلح عليه بالمدرسة الجماعاتية المشروع الذي مازالت تتداوله الألسن بالمنطقة وأثير حوله جدل كبير نظرا لما حمله من أفكار ومقترحات جديدة هزت ولا شك قناعات الكثير من الناس بأن التعليم لم يعد هم وزارة التربية الوطنية وحدها بل حان الوقت ليتحمل الجميع مسؤوليته . وكمهتم بالشأن التعليمي بالمنطقة أطرح هذا الموضوع للنقاش متسائلا : ما هي المشاكل التي يعاني منها التعليم بجماعة الساحل ؟ ما هي نقط قوة مشروع المدرسة الجماعاتية ؟ ما هي إكراهات وعوائق تحقق هذا المشروع بالمنطقة؟
إن قطاع التعليم بجماعة الساحل كغيرها من المناطق القروية بالمغرب يشكو من مشاكل عدة أهمها:
-العزلة شبه التامة للمدرسة عن المجتمع الشيء الذي يصعب التواصل بشأن توحيد جهود الطرفين لتحسين مستوى التحصيل الدراسي للمتعلمين.
-عدم ترسيخ ثقافة المحاسبة مما يؤدي إلى ضياع المسؤوليات في مختلف حالات القصور والتقصير في العمل إداريا كان أو تربويا أو أسريا ويتجلى ذلك في ضعف المراقبة.
-عدم استقرار الموارد البشرية يؤدي إلى هدر الزمن المدرسي.
-تشتت الوحدات المدرسية مما يصعب الولوج إليها من طرف الإداريين أو المراقبين التربويين.
-قلة أو شبه غياب الوسائل التعليمية بالوحدات المدرسية وضعف استعمال المتوفر منها.
-عدم جاذبية الفضاءات المدرسية للتلاميذ.
-ضعف نسبة تعميم التعليم الأولي بالجماعة.
-انتشار ظاهرة الأقسام متعددة المستويات.
وبسبب هذه المشاكل وغيرها نلاحظ ارتفاعا لنسب التكرار ولنسب الهدر المدرسي كما نلاحظ كذلك ضعفا كبيرا لدى التلاميذ في اكتساب الكفايات الأساسية خاصة في اللغات والمواد العلمية.
ولتجاوز هذه المشاكل ظهرت في الآونة الأخيرة فكرة إنشاء أو إحداث مدارس جماعاتية يجمع فيها التلاميذ من مختلف الوحدات المدرسية مع توفير كافة الظروف والشروط والإمكانيات الضرورية لعملية تعليمية تعلمية يكون فيها المتعلم هو المحور الأساس ، تسخر لفائدته كل المجهودات ليتلقى تعليما جيدا يستجيب لطموحات وتطلعات المجتمع . فإذا كانت لهذا المشروع نقط قوة تتم المرافعة حوله بشأنها فإنه:
*يوافق توجهات وسياسة الوزارة في هذا الشأن.
*سيقضي نهائيا على ظاهرة الأقسام متعددة المستويات
*يسهل عمل جهاز التفتيش التربوي في المراقبة والتأطير والتكوين المستمر.
*يسهل عمل الإدارة التربوية ويفتح الباب أمام إدارة عصرية.
*سيساهم في استقرار الموارد البشرية وتوفرها بالعدد الكافي.
*يوفر الظروف التربوية لتجريب أفكار تربوية جديدة كالتخصص مثلا.
*سيساهم في تحسين طرق تدريس بعض المواد وخاصة العلوم والتربية البدنية والتربية التشكيلية ويفتح الباب للقيام بأنشطة إضافية كالإعلاميات والأشغال اليدوية والمكتبة المدرسية.
لا أظن أن أحدا سيجادل أن تلميذا أو تلميذة في هذه الظروف سيكون حاله أفضل من أن يبقى في حجرة دراسية لا تستجيب لأبسط الشروط مع عدد محدود من زملائه في ظروف أقصى ما يمكن أن نقول عنها أنها مملة . مقابل ذلك لا يجب أن نظن أن طريق هذا المشروع سيكون مفروشا بالورود لوجود إكراهات جمة ستعترضه. وتتوقف حنكة مختلف المتدخلين على قدرتهم على تجاوزها. وفي حالة جماعة الساحل سيكون الأمر أعقد مم نتصوره.
فما هي الإكراهات المحتملة أن تعترض مشروع المدرسة الجماعاتية في جماعة الساحل بإقليم تزنيت التي أعطيت في مركزها الإنطلاقة لنواة لهذه المدرسة ؟ وما وجه التعقيد الذي سيخص هذه المنطقة؟
*الإكراه المادي يتمثل في عدم تعبئة الشركاء للموارد المادية الضرورية لتنفيذ المشروع وأدعوهم إلى أخذ المشروع بالجدية اللازمة .
*العائق البشري: من عادة الإنسان دائما أنه لا يكون مهيئا لتقبل فكرة جديدة بسهولة وخاصة إذا كانت له علاقة بها أو تخاطبه مباشرة أو تطالبه بتقديم تنازلات أو تضحبات معينة ولو كانت الفكرة تخدمه أو سيستفيد منها . فيمكن أن يكون عائقا أمام المشروع عدم استعداد الفاعلين التربويين من مدرسين وإداريين للعمل بروح جديدة من أجل الرفع من جودة التعليم بالمنطقة لإعطاء نموذج يحتذى في مناطق أخرى وندائي لهم أن المشروع طموح والتاريخ سيسجل لكم أية مجهودات تبذلونها من أجل تحقيق أهدافه .
ومن الإكراهات التي تواجه هذا المشروع كذلك عائق بشري آخر ويتمثل في صعوبة إقناع أرباب أسر التلاميذ بهذا المشروع وخاصة أنهم سيطالبون بنقل أبنائهم من مقر السكنى إلى مقر المدرسة حسب ظروف كل منطقة على حدة إما الإقامة في دار الطالب والطالبة أو استخدام سيارات للنقل المدرسي ووجه التعقيد الذي يخص جماعة الساحل هو دخول حساسيات قبلية وسياسوية على خط هذا النقاش الدائر حاليا على صعيد الجماعة في الترويج لهذا المشروع حيث نجد أطرافا تعبئ آباء التلاميذ والتلميذات في اتجاه عدم الإنخراط في المشروع بأفكار واهية . وفي الوقت الذي كان عليها أن تنزل بثقلها وتضع اليد في اليد لإخراج المشروع إلى حيز الوجود نجدها تدفع في اتجاه إجهاضه لحاجة في نفس يعقوب . ويبدو أن هذه العصا التي توضع في عجلة هذا المشروع وهو ما زال في بداياته جاءت من أطراف تعارض رئيس المجلس الجماعي الداعم للمشروع، وكي لا أتهم أنني أنحاز لطرف دون طرف أقول أن هذا المشروع يتطلب أن يضع كل ساحلي يده فيه انتقادا بناء أو دعما ماديا أو معنويا كل حسب استطاعته لأنه متعلق بمصير ومستقبل الأجيال القادمة من أبناء الساحل وإذا بقينا نضعه في دائرة الصراع السياسوي سنضيع على أبنائنا فرصة ذهبية ربما لن تعوض في المستقبل المنظور. فيا أيها الساحليون لنشمر عن سواعدا فمصلحة أبنائنا فوق كل اعتبار ، التعليم هو أحد شرايين الحياة لأنه بدون تعليم جيد لأطفالنا لا نتصور شغلا كريما ولا مستقبلا زاهرا لهم وفي هذا العصر لا يسأل الشاب أو الشابة وهو يبحث عن شغل عن أبيه ومال أبيه إنما عن ديبلوماته ومؤهلاته . وفوق هذا وذاك التعليم الجيد هو الذي سيعزز في نفوس أبنائنا قيمة لا تباع ولا تشترى ألا وهي قيمة المواطنة ولكم واسع النظر…
محمد أبروج
[email protected]