في ظل التحولات الجذرية في الأنظمة العربية و بزوغ ما يسمى بالربيع الديمقراطي العربي ، يُطرح بقوة على الساحة ماهية الحداثة و علاقتها بالهوية . فما هو مفهوم الحداثة من المنظور الغربي و على ضوء الرؤية الإسلامية ؟
الحداثة هي العصرنة هي ترك ما هو أصيل و أصلي و التحرر من قيوده لبناء مجتمع و دولة متقدمة حديثة عصرية ؛ إنها الحداثة عند الغرب هي التحرر من القيم الأصلية الأصيلة الفطرية باسم التقدم ، إنها الحداثة التي تطلق العنان إلى أبعد مدى لحرية الفرد على حساب الجماعة ؛ ففي فرنسا مثلا ، هناك يقف العاشقان في الطريق العام متعانقين متشابكين ، مستغرقين في قُبلة عميقة لذيذة ، فلا يكدر صفوهما الأنطاع من دعاة الفضيلة ، و يقف رجل البوليس يحميهما من حركة المرور أن تزعجهما قبل الانتهاء من هذا ” البوز ” الفني الجميل ، والويل كل الويل لمن ينظر إليهما نظرة استنكار، فإنه يبوء وحده بالاحتقار و الازدراء!
إنها الحداثة التي تدعو إليها الدول الغربية السائرة على درب فرنسا ، و أذنابهم من الحداثيين من بني جلدتنا ..
مما قيل نستنتج أن الحداثة في مفهومها الغربي عارية من القيم و الأخلاق و الفضائل باسم الحرية ، تلك سيئاتها و ما أدرانا بإيجابياتها الكُثر ، نعم ففوائد الحداثة الغربية كثيرة بمنطق مُنصف فهي التي اخترعت آليات حملت عاتق المشقة على الإنسان ، و هي التي تمنح لكل مواطن فرصة إبداء رأيه في الحكم ، و تمنحه الحريات الفردية والسياسية ، لكن إذا كان المواطن مسلما فالأمر يختلف لأنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله !! رغم تعارض ذلك مع القانون الذي ينص على الحرية لجميع المواطنين بدون استثناء . ففي فرنسا المُنقبات لهن كامل الحرية في اختيار لباسهن لكن مع الأسف يدفعن فدية على ذلك !!! و المحجبات لا حق لهن في العلم و العمل رغم كفاءتهن العالية ؟؟ كأنما الكفاءة هي في إظهار قسمات الوجه و تلوينات الشعر .. من يدري لعلها كذلك ؟
تلك قصة الحداثة الغربية التي تمنح الحرية لللادينيين و المسيحيين و اليهوديين و البوذيين … و تتنكر لها إذا كان الفرد مسلما .
أما الحداثة في مفهومها الإسلامي فتختلف عن الحداثة الغربية فهي تنطلق من أصالة من تراكمات منجزاته الحضارية إلى الرقي بها و المضي بها نحو المستقبل ، سعيا منها لتسهيل الحياة عن الإنسان و تطويرها نحو الأفضل ليعيش في سعادة حقيقية يوازن فيها بين غذائه الوحي العبادات و غذائه العقلي و الفكري العلم و غذائه الجسمي الرياضة .. تحترم إرادة الفرد و حريته لكن في حدود ؛ فذلك المشهد الذي ذكرنا آنفا هو ضرب للحرية و ليس بحرية ولا حق في شيء فالمواطنون الذين يمرون بذلك المشهد من دعاة الفضيلة يتقززون من مشاهده ، تنتهك حريتهم و سلامتهم النفسية و المعنوية ، أو لا يستطيع العاشقان الاختلاء أم أن التظاهر بالقُبلات فريضة أمام الملإ ..
إن الحداثة في الإسلام حداثة فريدة من نوعها أعمق دلالة من نظيرتها الغربية تسعى للرقي بالإنسان و حضارته إلى المستوى الطبيعي منطلقة من هويته و مرجعيته و أصالته لتبني حضارة جديدة أكثر ازدهارا و إشعاعا على دنيا و دين …
أيوب بوغضن
طالب بالثانوي – تيزنيت