ذ.نادية أولاد حمو*.
مع كل ضائقة يمر منها الفلسطينيون – و ما أكثرها – نتساءل: ماذا يمكن أن يقدم العرب والمسلمون لفلسطينيي غزة؟ مع العلم أن العديد من الدول العربية ساهمت في الحصار البري و البحري و الجوي الذي فرضته اسرائيل على غزة لمدة طويلة عاش معها الشعب الغزاوي شتى أنواع العذاب. و لا يمكن لأحد أن ينسى أن اعلان حرب 2008 على القطاع جاء على لسان ُ ليفني ُ وزيرة الخارجية السابقة لاسرائيل من أرض الكنانة بمصرو بمباركة من مبارك الذي لم يتوان في اجهاض كل حل كان يلوح في الأفق.
و حتى المقاربات التي تم تبنيها لمعالجة القضية – أو الايهام بذلك – ظلت في مجملها خاضعة لأهواء الساسة. فكل المعاهدات و الاتفاقيات و المبادرات أساءت اليها أكثرمما أحسنت. أما الدول التي قيل عنها أنها ممانعة فلم تكن مواقفها تخدم سوى أجندتها الخاصة, ليظل الانسان الفلسطيني الضحية التي يقامر بها الجميع.
لا شك أن انتظارات الفلسطينيين و الشعوب العربية و الاسلامية تتجاوز بكثير ما يخرج به العرب عادة من قرارات مخيبة للآمال و مثيرة للسخرية. و من ثم فتحركات سياسيينا ان كانت لن تضيف جديدا فلا معنى للسير نحوها أصلا. على هذا الأساس تصبح محنة غزة اختبارا حقيقيا للأنظمة العربية الجديدة ان كانت ستجرأ على اتخاذ مواقف جريئة تجعلها في مستوى تطلعات شعوبها أو ستكتفي – على غرار الأنظمة السابقة – بمجرد الشجب و التنديد و تكون بذلك قد أخفقت في كسب ثقة و احترام مواطنيها و وضعت نفسها في مأزق خطير لن يخرجها منه لا أمريكا و لا غيرها من الدول الأوروبية – و العبرة بما وقع للحكام العرب المخلوعين – خصوصا و وضع الشارع العربي قد تغير و لم يعد كما كان منزويا في عتمة الخوف يرتعش لملاحقة مخبر و ينهار لعصا شرطي. و لا أظن أنه سيقبل بأنظمة خانعة و خاضعة تبيع قضايا الأمة لأجل مصالحها الخاصة.
و انسجاما مع هذا الوضع يلزم الأنظمة العربية اتخاذ مواقف جريئة و محسوبة تمنحها هيبة بين شعوبها و بين المجتمع الدولي الذي آلفها لقمة سائغة يلوكها كيفما شاء مع العلم أنه يترقب بحذر رد فعلها ليتأكد من مدى تغير المشهد السياسي العربي و نجاح الثورات العربية. و يبدو لي أن أول خطوة نحو اتخاذ موقف شجاع و جريء هو الخروج من عباءة أمريكا و رفض وصايتها و الايمان بالقدرات الذاتية و توحيد الصفوف – بما في ذلك الصف الفلسطيني – و الاستفادة من الأخطاء السابقة و الانصات لصوت الشعوب و جعلها مشاركة في الرأي و اتخاذ القرار. أما في حال ظل الصوت العربي ضائعا و مشتتا و استمر كل طرف في الجري خلف مصالحه الخاصة, فستستمر التنازلات و سيفتح المجال واسعا أمام الصهاينة لتحقيق مخططهم ( من النيل الى الفرات ) لتسقط الى جانب فلسطين باقي الدول العربية تباعا.و لن يجدي نفعا و الحال هذه لا تدخل الغرب – الذي لا يخدم سوى مصالحه – و لا انتظار ما ستسفر عنه الانتخابات الأمركية ما دامت الخطوط العريضة لسياسة بلاد ” العم سام ” لا تراوح مكانها سواء كان المقيم بالبيت الأبيض جمهوريا أويموقراطيا.
و اذا كنا قد لمسنا نية حقيقية من بعض الأطراف في معالجة الأزمة الفلسطينية, فمن الأجدر أن تتجاوز التحركات مجرد السعي الى تحقيق الهدنة الى ما هو أبعد من ذلك كفك الحصار بشكل نهائي و حل مشكل اللاجئين و البث في قضية الاستيطان و التهويد و غيرها من القضايا الجوهرية.
قد يبدو سقف مطالبنا مرتفعا, لكن باستحضار المتغيرات الجديدة في المنطقة العربية و دخول تركيا بكل ما لها من ثقل و جرأة على الخط و كذا تغير لهجة الغرب تجاه الوضع في غزة – بغض النظر عن الدوافع و النوايا – يصبح من الطبيعي أن نطمح الى ما هو معقول و منطقي للوصول الى حلول أشمل للقضية و أكثر ديمومة.
أستاذة اللغة العربية بالثانوي التأهيلي*.