عبد الله القسطلاني *
صحيح أن الشعب له مطالب وحاجيات، صحيح أن الحكومة لها أولويات واهتمامات، صحيح أن المعارضة لها انتقادات وحسابات، لكن من كل هذا، هل طريقنا التي نسلكها صحيحة للتقدم وإنجاز مغرب المعجزات مغرب النماء والتقدم والعدالة الاجتماعية؟ فمن منا لا يرغب في أن تخفض الحكومة الضرائب وتعمل في سياستها على ألا تمس القدرة الشرائية للمواطن؟ من منا لم يتابع رئيس الحكومة على شاشة التلفاز في محاولاته…
لإقناع المواطنين بما أنجزه خلال هذه المدة القصيرة من تولي تدبير الشأن العام ؟ ـ مع حرص البعض وهم قلة على وصف لقاءاته التلفزيونية بالفرجةـ حيث أوضح في إحداها بأن الزيادات في البنزين هي في صالح الطبقة الفقيرة ؟؟ من منا لا يعلم من المتتبعين بالطبع أن المعارضة تسعى لإرباك الحكومة في ثوب انتقادات تقويمية، لم تكن الجرأة الكافية لمكوناتها ( الاحرار والاتحاد الاشتراكي ) ضمن الحكومة السابقة في تطبيق ما تطالب به اليوم رئيس الحكومة بنكيران ؟؟ ترى ماذا ينقصنا من كل هذا ونحن نتتبع ونطالع مواقف كل طرف ؟ أمام انتظارت الشعب مع العلم أن كل حزب بما لديهم فرحون.
إن مشروع الاصلاح وتقدم الامة طريق طويل وشاق، يحتاج إلى نفس أطول بل إلى صبرمضاعف إن صح التعبير، بذلك نالت الامم مراتب عليا وسجلت نفسها في نادي الدول المتقدمة عن جدارة واستحقاق ، ويحضرني هنا مثال تركيا التي أقلعت في مجالات كثيرة على اعتبار أن تدبير الشأن العام لأعوام فاقت 10 سنوات كانت من مهمة حزب خرج من رحم الحركة الاسلامية ( حزب الرفاه بقيادة المرحوم نجم الدين أربكان رئيس الوزراء الاسبق )، ولا بد هنا أن أفتح قوسا أتذكر من خلاله بداياتنا الاولى في جامعة ابن زهر وتأطيرنا للحلقات التكوينة الطلابية حيث كنا نعرف الشادة والفادة عن حزب الرفاه بتركيا أكثر من معرفتنا واهتمامنا بأحزاب مغربية آنذاك ( 1989 و1992 ) على غرار ما كان يتمثله اليسار في أحزاب اشتراكية لها تجارب في قيادة حكومات شيوعية وهذا كله جاء نظرا لما عاشته البلاد من سياسة التحكم والتسلط واستبعاد للحرية والمنافسة الشريفة لدى الاحزاب ، أجواء دفعتنا إلى البحث عن نموذج نجد فيه ذاتنا وقناعاتنا كغيرنا من الهيئات رغم اختلافاتها الجذرية، نعم لقد حقق الاتراك معجزات التقدم العلمي ومكنوا لدولتهم من أن تكون حاضرة في أنحاء العالم في جميع النواحي السياسية والاقتصادية والسياحية، لا بد من أن نتساءل كيف وصل الاتراك لتحقيق الاستقرار السياسي والاقلاع الاقتصادي والتنموي ؟؟ الجواب واضح إنها الحرية والالتزام والاحترام، حرية الفعل السياسي بما هو محرك للمجالات موفر لأجواء الاستقرار، والتزام بالقانون كما شرع، لأنه ضامن الاستقرار والاستثمار والرخاء والنماء، واحترام المواطن واختياراته، هل نحن المغاربة لا نقوى على فعل هكذا مشروع على اختلاف وجهات النظر والايديولوجيات، بالفعل ليس مطلوبا منا أن ننسخ التجربة التركية، لكن هل نستطيع أن نصل إلى ما وصلوا إليه بإمكاناتنا مهما كانت ضعيفة ؟ صحيح أن ما ينتظرنا ( الشعب بأكمله) ليس بالامر اليسير ولا بالهين، إنه إنجازعظيم لا بد من تحقيقه لكل أمة أرادت ان تكون لها كلمة أمام أمم العالم، إنه الاقلاع الاقتصادي والتنموي في ظل الاستقرار السياسي، هذا لن يكون إلا بالابتعاد عن التسلط والتحكم وسيناريوهات الافشال، وهنا يحضرني ما كتبه الاعلامي الشهير أحمد منصور ضمن مقال له بعد حضوره أشغال المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية التركي وصف من خلاله أجواء المؤتمر وتحدث عن مضامين كلمة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان التي دامت 3 ساعات والتي تحدث فيها بشكل مباشر لأول مرة عن هوية الدولة التركية وما عاناه الشعب من ويلات واضطهاد واستئصال دام أكثر من 70 سنة خلالها لا يجرؤ أحد على ذكر اي مصطلح للدين بعد أن أغلقت المساجد وحولت إلى متاحف وأغلقت المدارس الدينية ومنع الحجاب والغي الحرف العربي واستبدل باللاتيني وكان الناس يتلون القرآن خفية وصمتا لا يجاهرون به على الاطلاق مخافة الاضطهاد، حتى رئيس الوزراء المرحوم نجم الدين أربكان الذي جاء في مرحلة أزمة النخب السياسية التركية وعدم الاستقرار كان يتحاشى الحديث عن القيم الدينية كالصبر والتقوى ,,,, وغيرها ,,, لأن المؤسسة العسكرية المتحكمة يصلها كل شيء مدون ولا تتساهل في المحافظة على ما تعتقده من أركان الدولة ـ أتاتورك ـ الغرض مما أشرت إليه ليس الابتعاد عن المغرب أوالحديث عن تاريخ تركيا وأمجادها، ولكن الهدف تبليغ القارئ أن الاقلاع الاقتصادي والتنموي والاستقرار السياسي لشعب مهما بلغ عدد أفراده ( تركيا 75 مليون ) هيئ له من خلال الحرية والمنافسة الشريفة في جميع الميادين بدء بالساسة مرورا بالادارة واحترام القانون ومؤسسات الدولة واحترام اختصاصاتها هذا ما نحتاجه فهل نتقدم جميعا في المغرب كأمة نحوتحقيق ما حققته الامم من ازدهار وتقدم من خلال بوابة الحرية والالتزام والاحترام بتفصيلاتها التي أشرنا إليها ؟؟
*كاتب وصحفي