الخميس 14 نوفمبر 2024| آخر تحديث 6:49 11/14



رد على ذ.عصيد : مستقبل المسلمين رهين باعتماد شرع رب العالمين !

يطل علينا الأستاذ أحمد عصيد بمقال جديد معنون ” مستقبل المسلمين بين أردوغان والقرضاوي ”، يُنَظِّر فيه للمسلمين و يستشرف مستقبلهم .  المقال ما هو إلا نتيجة لارتباك حقيقي ، لا يختلف عليه اثنان ، يعيشه العلمانيون في مشارق الأرض و مغاربها بعد صعود نجم الدعاة إلى الإسلام و إلى  اعتماد ناموس القرآن و فلول نجم الدعاة إلى قانون الغاب ! ربما الورقة الأخيرة التي وجدها عصيد ليلعبها باتت هي  إحراج دعاة الإسلام بأساطير قديمة مَلَّت منها الساحة السياسية والإديولوجية و هي العودة إلى ماهية  الديمقراطية , حيث صارت الديمقراطية عنده  لا تعني حكم الأغلبية بعدما اتضح جليا أن أغلب الشعوب الإسلامية تواقة للحكم الإسلامي الرشيد  , بعدما حاول أهل الاستبداد تغطية الشمس بالغربال و إيهام الجماهير بأن موجة التدين انتهت بسجن المتدينين و تجفيف منابع التدين … فجاءت رياح الديمقراطية بما لا تشتهيه سفن العلمانيين , فعادوا إلى النقاش العقيم عن ماهية الديمقراطية و كاتبنا – عصيد – ما هو إلا نموذج  في هذا الصدد .

حاول الأستاذ مرة أخرى سبر أغوار جوهر العلمانية حيث أنه ذكر ( الديمقراطية في جوهرها علمانية لأنها تقوم على احترام الإختلاف والحريات وعلى رأسها حرية المعتقد قبل كل شيء) .

بداية في معرض ردنا على الكاتب سنحاول أولا أن ننقب عن لمحة تاريخية لكل من الديمقراطية و العلمانية , لكشف المناورات القديمة التي يقوم بها المعسكر العلماني و التي أعادها الكاتب بصيغة أخرى آملا بذلك إحراج الصف الإسلامي .

العَلمانية  أو اللادينية أو اللائكية هي مصطلحات ظهرت في أوربا ، منذ عصر الأنوار ، حيث تحرر المسيحيون من نير الدين و عقال المسيحية المتزمتة المحرفة ؛ ربما كانوا على حق ، لأن المسيحية أرادت خلق دولة دينية تحكم باسم الله كأنها ظل الله في الأرض ، تنكر حقائق العقل و المنطق ، ترتاب و تشك في كون المرأة كائن له روح ، لا تعترف بغرائز و شهواته و تستقذرها و تكبتها ؛ و بذلك تكون مُعاِرضة للفطرة البشرية ، مثلا الغريزة الجنسية : الحل الأوفق لدى المسيحية المحرفة هو عدم الزواج لأنه من رجس الشيطان و عمل الحيوان !! وبعد هذه التجربة المريرة من تسلط المسيحية و الكنيسة على الناس و تعذيبها لعلمائهم ، حيث اعتبرت العلم خرافة فأعدمت جاليلوا لأنه كشف حقيقة علمية محضة وهي أن الأرض تدور !؟ و غيره من العلماء … و بعد هذه المحنة من الديكتاتورية الكَنسية ، تنادت أصوات للقطع مع الماضي و الانقلاب على الكنيسة و فتح المجال للعلم و العلماء .. و بذلك ابتعد الناس عن المسيحية إلى أبعد مدى متَوَغِّلين في غابة العلم فصار العلم هو الحياة وصارت الحياة هي العلم .. و بذلك أيضا تقدموا و تطوروا و ابتعدوا عن دينهم ؛ فظهرت مفاهيم العلمانية و اللادينية و العقلانية .. و لكن رغم التطور و التقدم الذي نتج عن النأي عن الدين المسيحي المُحَرَّف و إيجابياته، فإن له انعكاسات مُهوِلة و أكبر ألا و هي التجرد من القيم و الأخلاق و العيش في فراغ روحي قاتم … فأصبح الناس ـ العلمانيون الجدد ـ أشبه بغَريقين نجوا من سفينة تحطمت ، فهُم إن أحسنوا السباحة ، كيف يغالبوا البحر و البحر يغالبهم ، و كيف يصارعوا الموج و الموج يصرعهم ؟ إنهم سيظلون يهبطون و يطفون ، دون أن يجدوا شاطئا يَرْسُون عليه ، أو قاربا ينجون به ، حتى تخور قِوَاهم ، و يبتلعهم اليم . هذا حال العلماني الذي هرب من الكنيسة و تعاليمها و عاش حياة فارغة من معنى الحياة … و لنعد إلى الإسلام ، و كيف أن أذناب و تلامذة علمانيو أوربا أرادوا استنساخ نفس التجربة و تكرارها بتقليد أعمى ، نَسوا أو تَنَاسوْ أن الإسلام دين كامل لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه ، دين يحث على العلم ولا يعتبره خرافة ( طلب العلم فريضة على كل مسلم و مسلمة ) ، دين كرَّم المرأة أَيَّما تكريم وساواها مع أخيها الرجل ( النساء شقائق الرجال في الأحكام ) ، دين تُحفَظُ فيه الحقوق و الحريات و كرامة الإنسان ( و لقد كرمنا بني آدم )، دين يُحَرِّم الظلم في جميع المستويات ( إني حرَّمْت الظلم على نفسي و جعلته بينكم مُحرَّما ) ، دين يسعى للرُّقي بالأمَم ، دين كَوَّن أرقى حضارة غيرت مجرى التاريخ .. رغم كل أوصاف هذا الدين الحنيف و المنهج القويم و الشرع الحكيم و تناقضها التام مع سمات المسيحية المتزمتة ، إلا أن المُسْتوردون و المُقَلِّدون الذين يدَّعُون العقلانية ،غاب عنهم عقلهم و نسوا أن الإسلام دين العلم والعقل و أنه شَْرع الكامل القدير ـ جل و علا ـ في الحياة و ناموسه القرآن ؛ هذا الكتاب المُحْكم التنزيل المُكْتظ بتشريعات و توجيهات في شتى مناحي الحياة ، بفضل اللالتزام بها انْتُشِلت الحضارة الإنسانية من وهدة التخلف و الركود .لكن رغم ما حققه هذا المنهج القويم ـ منهج الله تعالى ـ من تقدم و ازدهار حضاري سابق لأوانه من حيث الأخلاق و القيم ، و انتظام العبادات ، و العلم و المعرفة .. فالمستوردون كما أسلفنا الذين ذابوا في الحضارة الغربية و انبهروا بجميلها و قبيحها ، أرادوا سُمُوَّ ما يسمى بالشرعية الدولية و المواثيق الدولية على الإسلام ـ شرع الله ـ . و هم الذين يزعمون أيضا التقدم و الحداثة ، تناسوا أنهم بعلمانيتهم تلك رجعيون يتقهقرون و يَحِنُّون إلى عهود ”الرومانية ” : ما لله لله و ما لقيصر لقيصر . ” و يتذرع العلمانيون بتعريف العلمانية بأنها فصل بين الدين و السياسة فقط ! لكن ما يُقال ما هو إلا شجرة تُخْفي وراءها غابة كبيرة .. فحقيقة العلمانية كما عرَّفها القُطب الإسلامي البارز ـ رحمه الله ـ عبد الوهاب المسيري : الذي كان في بداية حياته يدافع باستماتة عن الأطروحة العلمانية ثم استحال إلى نور الله ليمتشق قلمه و يفَنِّد كتاباته السابقة و يدافع عن الحل الإسلامي .. قَسَّم مفهوم العلمانية إلى مستَويَيْن الأول : فصل الدين عن السياسة أو عن الدولة و بالتالي تحكيم قوانين وضعية مُعاِرضة لناموس المسلمين القرآن الكريم ، من مواثيق دولية التي يخالف بعضها أحكام الإسلام مثلا في الإرث و نظام الأسرة و المعاملات الاقتصادية و الحدود … المستوى الثاني : و هو المفهوم الكلي الشمولي للعلمانية الذي يتجلى في النأي بالدين عن الحياة أي حصر الدين في المساجد و الصلاة و الصيام و بعد القيام بالعبادات اِسرِق من شئت ، اِكذب ، زوِّر .. المهم قُم بجميع الآثام فالدين في المسجد فقط … من هذا المنطلق الإسلام يختلف جوهريا مع الأطروحة العلمانية فهما ضدان لا يلتقيان ، فالمسلم بإحساسه بمراقبة الله ـ عز و جل ـ له لا يمكن بتاتا أن يسرق أو يكذب أو يزَوِّر لأنه يخاف يوما كان شره مستطيرا. أما العلماني فهل سيحاسب أمام القيم الكونية التي يتذرع بها أثناء إنجازعمل معين ؟ و هل ستقيه من عذاب يوم يشيب لِهَوله الِولدان ؟

ثانيا ، ننتقل إلى السيرورة التاريخية التي عرفها مفهوم  ” الديمقراطية” منذ ظهورها باليونان القديمة ؛ ترجع لفظة ” الديمقراطية ” اللاتينية من حيث الاشتقاق ، إلى اللفظتين اليونانيتين و تعني الشعب ، و كراتين تعني الحكم . و تدل على نظام سياسي ، يرى أن السيادة تنبثق من مجموع مواطني بلد ما ، و من إرادتهم الحرة . و يمكن هذا النظام كل مواطن من التعبير عن آرائه في قضايا الشأن العام .

عرف مفهوم الديمقراطية تطورا و كل مكون سياسي اجتهد في تطويره لهذا المفهوم فخلص الغرب إلى مفهوم جديد و هو ما عبر عنه الكاتب في قوله (   احترام الإختلاف والحريات وعلى رأسها حرية المعتقد قبل كل شيء ) . كما أن رواد الفكر في العالم  الإسلامي كان لهم حظهم في فهم الديمقراطية حسب عقيدتهم و شريعتهم . فهل من الواجب أن نكون دائما تبعيين للغرب في مفاهيمه حتى نُبرَّأ من الاتهامات , أو حتى نمارس الديمقراطية الحقة ؟

المسلمون أخذوا الديمقراطية على أنها فلسفة للحكم و التداول على السلطة ،  تجسد مفهوم ” الدولة الأمة ” بشكل أوضح . أما ما يتعلق بالحريات و الحقوق فلا أحد يزايد في ذلك على شرع رب العالمين ؛ الله سبحانه و تعالى خلق الإنسان في هذا الكون و سخره كل ما فيه باعتبار هذا الإنسان مستخلف ليس إلا في أرجاء المعمور ، هذا الاستخلاف يقتضي أن يكون له ضوابط و حدود كي لا يفسد التوازن الذي خلقه الله في الوجود . و بذلك وهب الخالق عزوجل  للإنسان جميع حرياته و حقوقه كي يمارس المهمة الجليلة التي وكَّله بها ، كما حرّم عيه أمورا أخرى عَلِم جَلَّ شأنه أنها ضرر لهذا  المخلوق و مفسدة على حياته و دنياه و أخراه. و بالتالي فجميع الحقوق و الحريات التي تتغنى بها ” المواثيق الدولية ” أو المجسدة ضمن المفهوم الغربي للديمقراطية المعقولة منها و الموافقة للفطرة السوية ،  مكفولة في شرع رب العالمين و دين الإسلام العظيم ، أما الحقوق التي تكرس ” الإيباحية ” و خلخلة التوازن القائم في الكون فلا مكان لها بين شرع العليم بخفايا النفوس .

أما حرية المعتقد التي يثير عليها الملاحدة زوابع و توابع نظرا لتخفيهم عن أنظار المجتمع في كل بلاد الإسلام بعد أن علموا أن المجتمع المسلم يستنكر المجاهرة بهذا الشذوذ الفكري . حرية المعتقد لا تحتاج منا الكثير للقول بأنها من صميم شرع  رب العالمين . فيكفينا الرجوع إلى أحد عمالقة و فطاحلة رواد الفكر الإسلامي ” الشيخ راشد الغنوشي ” و كتابه ” مقاربات في العَلمانية و المجتمع المدني ” ، أورد فيه فقرة خاصة عن حرية المعتقد و أهم ما جاء فيها :

 حرية العقيدة في الإسلام هي أساس الحريات و الحقوق ، و الأصل العام في هذا الصدد مبدأ حرية الاعتقاد الذي قطعت به بشكل حاسم آية ( لا إكراه في الدين ) من سورة البقرة ، و يترتب على  ذلك  حرية الإنسان في اختيار عقيدته و ممارستها ، و الدعوة إليها . و يترتب على ذلك في المجتمع الإسلامي القبول بالتعدد الديني و الثقافي و السياسي من باب الأولى ، فالدولة الإسلامية عبر التاريخ الإسلامي ، و ابتداء بدولة المدينة عرفت تعدد الأديان و اعترفت بها ، و أعطتها الحماية الحماية الضرورية .

بينما ظل الغرب في ظلماته قرونا طويلة يخوض حروبا دينية طاحنة ، إلى أن عرف عبر المسلمين فضيلة التسامح الديني ، و أقر على نحو محتشم مبدأ الحرية الدينية ، و إن كان عمق ذلك لا يزال محدودا في الثقافة الغربية التي لم تعترف بالآخر إلا أن يكون من جنس العائلة كما هو شأن الأحزاب الكبرى في الديمقراطيات ، أما الآخر المختلف دينا  و حضارة و لونا فلا يزال منكورا ، و شاهد  ذلك ما تتعرض له الأقليات الإسلامية في فرنسا و ألمانيا ، ناهيك عن البوسنة ، ليس إلا تعبيرا عن طغيان نزوعات المركزية الغربية ، و ادعاء احتكار الحق و النموذج الحضاري الأمثل .
على مثل هذه الخلفية الإيديولوجية شنت أوربا حروبها الصليبية و الاستعمارية ضد الحضارات و الأعراق و الديانات الأخرى ، و استمرت تنهب موارد العالم تاركة ملايين من الأطفال في العالم يقضون جوعا و مرضا بعد أن تصحرت أراضيهم ، و نُهبت مواردهم ، و شُوهت أو دمرت ثقافاتهم لحساب قلة من المثقفين في الغرب.

خلا صة ما سبق أن الديمقراطية لا تعني بالضبط العلمانية ، فيمكن للشعب المسلم أن يعبر إرادته في الاحتكام إلى الشريعة الإسلامية الغراء و بالتالي سينقلب على العلمانية البغيضة التي تريد حصر الدين في المساجد بل و تسعى جاهدة لإقصائه و تجفيف منابعه . و هذا الإرادة الشعبية لن يتحقق إلا بعد أن تتحرر الشعوب  بشكل كامل من جميع مخلفات الغزاة سواء الفكرية ,الثقافية و السياسية و بعيدا عن أي ضغوط  تؤثر على  قناعاتها …

لننتقل الآن إلى مناقشة ما سماه الكاتب  ” درس أردوغان ” ,حيث أنه اعتبر أن أردوغان أسقط القناع عن ” الإخوان ” بعد أن مرر إليهم
الرسائل التالية :
( قال رجب طيب أردوغان للمصريين ولكل المسلمين الأمور الأربعة التالية:

1) إنه مواطن مسلم لكنه رئيس وزراء دولة علمانية مضيفا: “أقول للشعب المصري ألا يكون قلقا من العلمانية، وأظن أنه سيفهمها بشكل مختلف بعد تصريحي هذا”.

2) أن الدّولة العلمانية لا تعني “اللادينية”،وإنما تعني” احترام كل الأديان وإعطاء كل فرد الحرية في ممارسة دينه”.

3) أنّ 99% من سكان تركيا مسلمون،وهناك مسيحيون ويهود وأقليات أخرى، لكن الدولة في تعاملها معهم “تقف على نفس المسافة”، وهو يقصد المساواة بين جميع أبناء تركيا على قاعدة المواطنة.

4) ثم تمنّى في الأخير وجود دولة مدنية في مصر تقوم على احترام جميع الأديان والشرائح في المجتمع المصري. ودعا إلى وضع دستور لمصر يقوم على المبادئ التي من شأنها أن ترسي قواعد دولة مدنية حديثة تتيح للجميع أن يدين بالدين الذي يريد، لأن الدين لا يُفرض من طرف الدول والأنظمة. ” وأوضح قائلا:” على من يناط بهم كتابة الدستور في مصر، توضيح أن الدولة تقف على مسافة واحدة من كل الأديان”. وأضاف مؤكدا على “عدم حرمان الناس من أن يعيشوا دينهم وإعطاؤهم ضمانا لذلك، فإذا بدأت الدولة بهذا الشكل فإن المجتمع كله سيجد الأمان، المسلمون والمسيحيون وغيرهما من أديان أخرى واللادينيون، فحتى الذي لا يؤمن بالدين يجب على الدولة أن تحترمه.. إذا تم وضع تلك الضمانات فهذه هي الدولة العلمانية”. )

ما يعيبه الأستاذ عصيد على ” الإسلاميين المغاربة ” أنهم يتغنون بالتجربة التركية في  الوقت الذي انتقد ” الإخوان ” في مصر خطاب أردوغان المتعلق بالعلمانية .
أولا , هل اخطاء ” الإخوان ” في المشرق ( مصر ) يتحملها ” الإخوان ” في المغرب ؟ هل إذا انتقد الآخرون خطاب أردوغان ستنتقده الحركة الإسلامية في المغرب أيضا ؟ هذا يبين مدى اعتماد الأستاذ على النوايا لتفسير هذه  الظاهرة لا الوقائع والأحداث .

ثانيا , الإسلاميون المغاربة حين يشيرون بالأصبع إلى التجربة التركية فإنما يشيرون تميز أهل التدين و الدعاة في تسيير الشان العام . و كيف أوجد أردوغان و زملاؤه حلولا لمعضلات اجتماعية و أبرز مثال في ذلك كيف جنب بائعات الهوى  و انتشلهن من وهدة الفجور بمساعدتهن على مشاريع شخصية للاسترزاق بدل بيع أعراضهن ; حيث فطن إلى أن الزنا عاملها الأساسي هو  الجانب المادي . كما أن أردوغان يقف بجانب زوجته المحجبة مرفوع الرأس معتزا  بزي زوجته الإسلامي . فهل يستطيع أي علماني أن يقف مع زوجته إذا كانت محجبة ؟

ثالثا , إن أردوغان  بذكائه السياسي لم يكن يخاطب الرأي العام المصري، ولم يكن يدعو النخب المصرية إلى تطبيق العلمانية، وإنما هو أراد أن يوجه أربع رسائل على الأقل إلى من يهمه الأمر أشار إليها المفكر فهمي الهويدي في مقاله ” حوار عن العلمانية في تركيا ”، إحداها للحركات الإسلامية في العالم العربي التي تتطلع إلى المشاركة في السلطة، خصوصا في البلدان المنخرطة في الربيع العربي، لكن لا تزج باسمه في لعبة التوازنات الراهنة، بمعنى أنه أراد أن يحتفظ بمسافة بينه وبينهم، حتى لا يحسبوا عليه أو يحسب هو عليهم. الرسالة الثانية أراد أن يوصلها إلى جماعات التطرف والتشدد الإسلامي، داعيا فيها إلى تحرير السياسة من نفوذهم وإحداث القطيعة معهم. الرسالة الثالثة كانت عينة فيها موجهة إلى الاتحاد الأوروبي، الذي سارع سكرتيره العام إلى التقاط كلمات أردوغان التي دافع فيها عن العلمانية، ودعا في اجتماع للمجلس الأوروبي إلى مراجعة الموقف من تركيا، وطالب بتمكينه من الانضمام شريكا كاملا في المجموعة الأوروبية. الرسالة الرابعة والأخيرة أراد أن يرد بكلامه على الدعايات الإسرائيلية في الغرب التي تدعي أن تركيا تشجع قيادات الربيع العربي بما يسهم في نشر التطرف الديني، بالتالي فإنه بكلامه المنحاز إلى العلمانية أعلن موقفا واضحا من هذه المسألة.

رابعا , تركيا لها خصوصيتها فهي بلد عرف التطرف العلماني منذ عهد ” أتاتورك ” لا يقبل حتى بذكر كلمة الإسلام , و كما قال المفكر فهمي الهويدي ; العلمانية في تركيا ليست خيارا سياسيا معروضا على المجتمع، ولكنها عقيدة مفروضة على الكافة، تورد المنكرين لها موارد التهلكة، في الدنيا بطبيعة الحال. و قد تطورت العلمانية في عهد أردوغان حيث تصالحت مع الدين لكن بفضل مجهودات حزب العدالة و التنمية الحاكم و بالتالي نستطيع أن نعتبر أن أردوغان كان يتحدث عن ” العلمانية الأردوغانية” المختلفة تماما مع مثيلاتها في الغرب .  و من حق ” الإخوان” كذلك نقد  حديث أردوغان عن العلمانية باعتبارهم في بلد إسلامي يقر بأن مصدر التشريع الشريعة الإسلامية الغراء بعيد جدا عن الحالة التركية لا يحتاج لا إلى علمانية ” أردوغانية” أو ” غربية ” و أغلبية الشعب المصري تواقة لعدل الحكم الإسلامي .

بقي لنا جولة مع درس الشيخ يوسف القرضاوي الذي نال بدوره الحظ الوافر من سهام الأستاذ عصيد بسبب مقولته “إن الليبراليين والإشتراكيين أخذوا زمانهم وهذا زمان الإسلاميين” .
يقول  الكاتب (  قال القرضاوي “إن الليبراليين والإشتراكيين أخذوا زمانهم وهذا زمان الإسلاميين”، وهو كلام بالطريقة التي فصّل بها يطرح ثلاثة مشاكل: المشكلة الأولى أنه يضع غائية للثورات والحراك الشعبي هي حكم الإسلاميين، والحال أن الناس خرجوا إلى الشارع ليس من أجل أن يحكم الإسلاميون أو غيرهم، بل من أجل الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية والمساواة التي هي أساس كل شيء أياً كان الحاكم، فما يبدو في تصريح القرضاوي هو أن ما يشغل التيارات الدينية المتشددة منها والمعتدلة من كل درب وصوب في الدول التي عرفت انتفاضات شعبية، هو أن يصلوا إلى الحكم، في حين أن ما يشغل الشعوب هو ترسيخ الديمقراطية بعد طول استبداد).

المشكل الأول الذي طرحه الكاتب و المتعلق بغائية الثورات و القول بأن الشيخ يحصرها في وصول الإسلاميين إلى الحكم , أولا يكفي القول بأن الشيخ يوسف القرضاوي كان له قصب السبق في مباركة ثورات الحرية و الدفاع عن شرعيتها , ثانيا إن ما لا يفهمه عصيد و غيره من العلمانيين أن حرية الإنسان هي مطلب الإسلام و أن الله سبحانه و تعالى خلق الإنسان ليكون حرا و بالتالي ليس غريبا  أن نجد العالم الفذ ” يوسف القرضاوي ” و غيره من دعاة الإسلام مع يقفون مع  ثورات الكرامة و الحرية قلبا و قالبا . لأنه عندما يتحرر الإنسان من كل القيود بالفطرة السليمة سيختار الأصلح لتمثيله في مجالس الأمة . فالإسلاميون قوى شعبية حية في كل البلدان الإسلامية , حاولت الأنظمة المستبدة إخفاء هذه الحقيقة لعقود , فجاءت الثورات لتبين مدى تغلغل دعاة الإسلام في المجتمعات الإسلامية ,  فولج الفاعلون الإسلاميون الحياة السياسية , و دخل بعضهم غمار الانتخابات لأول مرة فكانت النتيجة واضحة و فاضحة في نفس الوقت للنخب العلمانية التي تغرد خارج السرب و تدعي  تمثلها لأفكار المجتمع .و هذا ما صدق نبوءة الشيخ يوسف القرضاوي حين قال ” إن الليبراليين و الإشتراكيين أخذوا زمانهم و هذا زمان الإسلاميين ”.
و مما يزيد مقولة الشيخ حقيقة التجارب التاريخية ; فقد تسلم دعاة الاشتراكية مقاليد الحكم لفترة من الزمان فلم يصلوا إلى تحقيق العدالة الاجتماعية و ها هي الليبرالية بدورها تترنح و مازادت حياة المواطن إلا نكسة بعد أخرى . و بالتالي  الإسلام ليس خيارا فحسب بل ضرورة  للإنسانية جمعاء.

و أخيرا , لا يمكن أن نحصر مستقبل المسلمين و الأمة الإسلامية في كلام ” أردوغان ” أو الشيخ ” يوسف القرضاوي ” فالإسلام قادم و الخلافة الإسلامية التي استهتر بها عصيد قادمة رغم أنف عصيد و غيره من العلمانيين و رغم أنف جميع المواثيق الدولية فشرع رب العالمين آت , و مستقبل المسلمين رهين بعودتهم إلى  اعتماده بما في ذلك  من حرية و عدالة و نزاهة بعيدا كل البعد عن إيباحية ما يسمى الحقوق الكونية و عن تنطع  التشريعات الكنسية المسيحية  أو ما يسمى الحكم التيوقراطي .

http://ayoub-bouakhaden.blogspot.com/

أيوب بوغضن

طالب بالثانوي – تيزنيت