إعداد: محمد بحراني:
الأصل والتسمية:
يدقون الطبول قبل حلول موعد السحور، وهم يجوبون هذا الشارع وذاك، يقتحمون حل الأزقة وإن كانت في غاية الضيق، لا يهمهم إلا أن يستيقظ الجميع على أصواتهم ” الصاخبة”
يسميهم المغاربة، ” الدقايقية” ومنهم من يسميهم ” النفارة ” أو ” إدبو كانكا “، بل منهم من يطلق عليهم اسهمهم الأصلي “المسحراتي”، والذي يعود إلى المشرق العربي حيث ظهرت العادة وتطورت فانتقلت إلى عدد من البلدان والمناطق المجاورة.
و “المسحراتي ” هي مهنة كان المسلمون يطلقونها على الشخص الذي يوقظ السكان خلال ليل شهر رمضان الكريم لتناول وجبة السحور.
يستعمل هؤلاء في عملهم التطوعي الطبل أو المزمار ويعملون على دقها أو العزف عليها بهدف إيقاظ الناس وعادة ما يكون النداء مصحوبا ببعض التهليلات أو الأناشيد الدينية حينها بحكم البيئة الإسلامية القحة.
مع تقدم الزمن والتطور الذي عرفه المجتمع، أصبحت هذه المهنة شبه منقرضة بعدما كانت مشهورة ومتداولة بقوة وخصوصاً في بلدان الخليج العربي، كالسعودية والبحرين وقطر والكويت، وبعض بلدان شمال أفريقيا كتونس والمغرب وليبيا، ودول عربية أخرى بينها السودان ومصر.
” النفار” في أكادير:
في عدد من مناطق أكادير ما زالت العادة سائدة رغم أنها لا تعلن نفسها بقوة كبيرة، ولعل أبرز المناطق التي تحتضن ” النفار، المسحراتي ” أو ” الدقايقية ” و ” إدبو كانكا ” مناطق بنسركاو، أيت ملول، تيكوين، القليعة، إنزكان وبعض مناطق الدشيرة.
“المهدي عزي” قائد فرقة “الدقايقية و النفارة” يتحدث عن الظاهرة بنوع من الأسف على ما آلت إليه، وهو الذي يعتبر واحدا من الأشخاص الذين دأبوا على المسألة.
يقول بأنه يحمل على عاتقه مهمة الحفاظ على هذا الموروث، وتتكون الفرقة المرافقة له من خمسة أشخاص، بعضهم يحمل طبلا وبعضهم يحمل مزامير طويلة ” النفار “.
يحصل المهدي عزي على ترخيص من قبل السلطات المحليات قصد مزاولة عمله السنوي الذي يمتد من اليوم الأول في رمضان حتى آخر يوم فيه، ويوم العيد يخرجون إلى الأزقة بطبولهم المعتادة، ليجمعوا ما جادت به الساكنة عليهم من طعام ومساعدات وربما بعض النقود الزهيدة.
إنه عمل تطوعي لا أقل ولا أكثر يقول ” المهدي “، وهو الذي يزاوله هذه العمل من سنة 2003 إلى اليوم، أي قبل أزيد من أثني عشر عاما، ويضيف أنهم رحلتهم تنطلق كل يوم في حدود الساعة الثانية صباحا لينهوا عملهم في الساعة الثالثة، شرط أن يكونوا قد جابوا الشوارع التي وضعت في تصاميمهم، فالساعة الواحد كافية ليوقظ فيها خمسة أشخاص الآلاف من ساكنة عدد من الأحياء لتناول سحورهم.
في مناطق أخرى من أكادير الكبير، يمكنك أن تستفيق على وقع الطبول كمنطقة أيت ملول وإنزكان، وفي منطقة عين القليعة شباب أغلبهم تلاميذ، الذي يميزهم هو الكثرة إذ يبلغ عددهم 13 فردا بل يصلون في بعض الأيام إلى 20 فردا، ” السي محمد ” عضو الفرقة التي تعمل بعفوية يقول بأن العمل خيري محض، ويقول بأنهم يجوبون عددا من الأحياء الكبيرة، مضيفا أن المنطقة بحكم شساعتها وسوء توزع أحيائها يحتم عليهم بذل مجهود مضاعف، سألته عن سبب كثرتهم، فأجاب بأنهم يشكلون مجموعة كثيرة حتى يكونوا قادرين على مواجهة عواقب سيئة قد تحدث في أي وقت.
ساكنة معجبة، وأخرى ترفض:
ككل الظواهر التي تنتشر بالمنطقة، تنقسم الساكنة المحلية بمدينة أكادير وضواحيها إلى مؤيد ورافض لظاهرة ” الدقايقية ” في رمضان، فمنهم من يعتبر المسألة شيئا جميلا، خاصة وأن أصوله إسلامية، ” دا الحسن ” واحد من ساكنة تراست يرى أن الدقايقية يضفون طابعا خاصا على شهر رمضان، ويضيف أن رمضان بدونهم لا يساوي شيئا.
رغم أنه بلغ من الكبر عتيا لكنه لا يمانع من استمرار الظاهرة التي يرى فيها حاجة ملحة رغم كل شيء، وعكسه يرى ” مصطفى ” من ساكنة منطقة تيكوين، إذ يرى أن ساكنة المنطقة اليوم ليست بحاجة إلى ” النفارة والدقايقية ” لإيقاظهم، مضيفا أن الأمر ليس إلا مجردى مزايدات، باعتبار أنها لا تزيد الساكنة إلا ضجيجا، وأضاف ساخرا ” الناس أصلا سهرانين حتى للسحور “، نفس الكلام قاله ” محمد ” عامل من منطقة القليعة، إذ ذهب إلى حد القول بأن السلطات عليها إعادة النظر في المسألة، والتدخل لوقف الأضرار التي يلحقها هؤلاء بالساكنة.
ويرى رشيد الطالب الجامعي أن الظاهرة لها علاقة وطيدة بالتراث المحلي، وبذلك وجب العمل ما أمكن قصد المحافظة عليه.
ظاهرة تتوارى:
بين هذا الرأي وذاك يبقى “المسحراتي” عند المشارقة، أو “الدقايقية” و “النفارة” و “إدبو كانكا” عند المغاربة خاصة في سوس، – يبقى – تراثا لا مادي، ما دامت الأجيال قد توارتثة منذ أزمنة غابرة.
ويتساءل قيدوم ” النفارة” في منطقة تيكوين، عن مستقبل الظاهرة، وهو يمني النفس في التفاتة من قبل المهتمين بالتراث، وفي جوابه عندما سألته لماذا لا يتم التأسيس لإطار قانوني يضم ” النفارة ” تحت مسمى معين، يعملون بانتظام، وينظمون أنشطة موسمية، ثم يستفيدون من دعم ومنح المؤسسات المنتخبة، قال، نحن مستعدون فقط نحتاج لمن يقف إلى جانبنا.
فهل سيحظى “مسحراتيو ” المنطقة بالتفاتة، من الجميع، قد تعيد الظاهرة إلى الواجهة، أم أنها ستبقى تظهر وتختفي حتى تعلن نهايتها في صمت؟
تعليقات