ذ. عبدالله بعنو
بمناسبة الذكرى الأليمة 8 مارس، أود أن أهنئ المرأة، أينما كانت، على صمودها في عالم الذكور المتوحش هذا؛ عالم لازال يزحف على الكثير من حقوق المرأة، ولا يفتأ يطالب أن تبقى المرأة كما صنعتها العقلية الذكورية منذ قرون، مستكينة مغلوب على أمرها تحت مسميات عدة، تنبع من تقاليد وعادات وأفكار يفهمها الذكر ويعدلها، حسب الحاجة، وكما يريد! وهي عادات مشتركة بين العديد من دول العالم، بما فيها الدول التي تقول عن نفسها أنها متحضرة! وهذه العادات غير مفهومة ولا تستند إلى أي منطق يمكن للعاقل أن يستسيغه؛ فباسم تلك الأفكار قام الرجل بوأد المرأة في بلداننا، لأنه ظن أنها الشر كل الشر، ولأنها لن تضمن استمراريته، وحمل اسمه، وضمان إرثه! وهو بذلك يتصرف ضد الطبيعة وضد الحياة، ويام تصرف الرجل ضد الطبيعة الإنسانية ليحقق أغراضه الانانية بضمان حقوقه، والتغاضي عن حقوق الآخرين، بما فيها الحيوانات والأشجار! وعندما أفلتت المرأة من قتله لها، حجزها بين أربع حيطان، خوفا على شرف القبيلة التي هو أبوها وزعيمها الأبدي! ما إن تترعرع الفتاة حتى توضع في حريم كي لا ترى النور، ولا تلعب مع أقرانها، بينما يسمح للابن الذكر أن يلهو كما يشاء، وتفتح أمامه أبواب الحياة! وهذا قتل معنوي أشد قسوة من القتل الجسدي! وهي في الحريم تصنع منها القبيلة/العائلة الانثى التي تريد، وتجردها ما أمكن من إنسانيتها (أي لا تصير إنسانا). أول معاناة تجربها الفتاة وهي في الحجز العمل المنزلي الذي يصبح لصيقا بها مدى الحياة، هذا العمل الذي لازال الذكر يستفيد منه، ويرفض أن ينخرط فيه، فترى المرأة توفر كل الخدمات بما فيها الخدمات البسيطة التي لا تكلف شيئا، فقط ليثبت الرجل لنفسه وللعالم، ظلما، أنه “السيد” المحترم الذي لا يلين، لأنه تربى على أن المرأة لا تصلح إلا للمعاناة والألم! وأن الرجل، إن هو تنازل عما يظن أنها حقوقه، ستأخذ المرأة مكانه وستستعبده، فهو لا يرى العالم إلا من خلال ثنائية العبد والسيد؛ وأكثر ما استعبده الرجل جسد المرأة، فصنع منها جارية تغني وترقص وهي بين الرجال في جلسة خمر، أين هو شرف القبيلة إذن؟! تغني وترقص في حضرة من يلتهم جسدها بالنظرات البذيئة. كل متتبع يعلم أن بعض المناطق في العالم تشهد اغتصاب فتاة كل 15 دقيقة، ويتم ذلك في بعض الأحيان من طرف أكثر من شخص!!! ويا للمفارقة: إن سارت الفتاة مع زميل الدراسة في الشارع، أو ضحكت بصوت عال أمام الذكور، تقوم الدنيا ولا تقعد! فهذا يصفها بقليلة الأدب، وذاك يتحدث عنها كمشروع عاهرة!!! وقد نسي كل منهما أن الذكر، باستباحته جسد المرأة ورقصها أمامه شبه عارية، واغتصابه لها في عز النهار، يشكل خطرا على الفتاة أكثر من زميل المدرسة الذي تحاول الفتاة من خلال التفاعل معه فهم طريقة تفكيره، كي لا تصدم وهي ترتبط بشاب يمكن أن يصير زوجا لها يوما ما. إن سلوك الرجل هذا، ليس سلوكا شخصيا مبنيا على منطق يفكر من خلاله، بل هذا ما علمه له الأسلاف الذين ورطوه في هذه الأفكار البالية التي يصعب عليه التخلص منها، بما أنها تسللت إلى دماغه كما يتسلل السيروم إلى الدم!!! وفقط، أقول فقط، بالدخول في مشروع إعادة التربية الذاتية، يتمكن الذكر “الشجاع” من التخلي عن “جلد” السلف، ليجد لنفسه جلدا جديدا ملؤه الإيمان بحرية المرأة، والدفاع عن حقوقها؛ عدا ذلك، سيجد الذكر نفسه في صراع دائم مع امرأة غير حقيقية، امرأة صنعتها الأعراف والوعي الجمعي، سواء الذكوري، أو مع الأسف، الأنثوي! هذه المرأة التي تستحق كل الاحترام والتقدير على الأدوار المجتمعية التي تقوم بها، يشيئها (من الشيء) الرجال، ويحتفظون بها في الحريم إلى أن تشب فيسلموها لذكر آخر هو زوجها الذي سيمارس عليها ما علمته القبيلة إياه تجاه المرأة، وسيستعمل كل الأساليب لردعها، بل إنه يتخلى عنها حتى في تلك الأيام العصيبة التي تعيشها وهي تنتظر مولودا، ويتركها لمصيرها في عز الألم، ليعيش حياته بعيدا عنها. هذا طبعا مع استثناءات حصلت بفضل تغيير عقلية الرجل التي ما فتئت تتطور وتتنامى في الاتجاه الصحيح.
نعم، في خضم التحرر التاريخي الذي صنعته المرأة بدمها، والذي ساهم فيه الذكور المتنورون، لا زالت بعض المجتمعات تتصرف من خلال “معرفة” سطحية قديمة بالمرأة، كأننا نعيش في القرون الوسطى التي شهدت فيها المرأة درجة عالية من سلب الحقوق، فاستعبدت وأصبحت تابعة للرجل في شؤون الحياة الصغيرة والكبيرة، خاصة مع ظهور المجتمع الفيودالي الإقطاعي! فالمرأة بفضل نضالها، أصبحت متحررة أكثر، ويتجلى ذلك، خاصة، في خروجها لسوق العمل، وتحكمها في مصيرها بما أنها حصلت ولو جزئيا على الاستقلال المادي! هذا الاستقلال الذي يحاربه الرجل يوميا، سواء بالاستيلاء على موارد المرأة من أجر وغيره، أو باستغلال الامتيازات والقوانين التي يمنحها له المجتمع ليحرمها من التمتع بمالها كما تشاء!!! جعل العمل المرأة تعيش في الخارج، وليس داخل الحريم الذي يتحكم فيه الذكور. قبل أن تخرج المرأة للعمل تتزين كما تشاء، وترتدي ما تشاء من الثياب ليتدخل الرجل مرة أخرى ويستعمل قوانينه مطالبا المرأة بإخفاء “مفاتنها”، عوض أن تفرض عليه هو قوانين “لغض الطرف” عنها مثلا، وضمان حريتها في التصرف بجسدها كما تشاء!!!!! ببساطة إن الرجل لا يرى في المرأة سوى أنوثتها، ولا يسمح لنفسه أن يرى في المرأة شخصا/إنسانا له نفس الحقوق والحريات! وعلى العائلة أن تربيه، وعليه أن يربي نفسه على أن الفتاة ليست لعبة يتمتع بها، بل شخص مستقل؛ وليست عبدا يتحكم فيه ويقرر مكانه، بل انسانا حرا له كامل الحق في عيش حياة كريمة كما يحلو لها. وقد أصبحنا في زماننا المريض هذا نضطر إلى حماية الفتاة، ليس من الغرباء، فهي قادرة على التصدي لهم بحكم القانون الذي فرضته المتغيرات الوطنية والدولية، بل من أصحاب الدار، حيث الأب يفرض على الفتاة لباسا معينا، أو/ويمنعها من استكمال دراستها تحت مبررات واهية، ولأنه يعاني من نقص في الثقة عندما يتعلق الأمر بابنته، وب”التخمة” في الثقة عندما يتعلق الامر بابنه الذكر، يصل إلى نتائج عكسية في معظم الأحيان!!!
مجمل القول: لا زالت المرأة تعيش في وسط ذكوري ينتظر منها أن تعيه جيدا، وأن تدافع عن حريتها ما أمكن، مهما كانت التضحيات! وعلينا نحن أن نثق بقدرات المرأة التي كما يقول موروثنا الثقافي ” تصنع الرجال”، وأن نكون دائما سندا لها، السند الذي لا يضعف أمام أهوال الحياة التي تهدد الجميع، والتي لن نخرج منها إلا بالعقل، وليس بالخرافات التي وجدنا أنفسنا عليها، والتي “تلبسنا” كما يلبس الجلد العظم؛ ومع ذلك، فقد انتصرنا، وسننتصر أكثر عندما نساهم في تغيير عقليات أكل عليها الدهر وشرب!!! فها نحن ننتظر مولودا جديدا، مدونة أسرة جديدة، وهي مناسبة تبرهن فيها الدولة المغربية على أنها غير راضية على ما يجري، وأنها لا تقبل التهديد من أي كان بمسيرة مليونية، أو غيرها من التهديدات، لأن مجال المرأة شأن اجتماعي أولا، وليس ورقة سياسية يلعبها البعض للحصول على مكاسب سياسية، ويجعلها مطية تعيده إلى المشهد السياسي مرة أخرى! وسنكون فخورين إن حصل تقدم في وضعية المرأة المغربية، وإن لم يحصل هذه المرة، فنحن كلنا تفاؤل أن المرأة ستنال حقوقها كاملة، طال الزمن أو قصر، بجهود الجميع، أفرادا ومؤسسات، حكومية وغير حكومية!
بالتوفيق سي عبد الله.