الخميس 14 نوفمبر 2024| آخر تحديث 1:43 08/05



الإسلاميون والدرس المصري

الإسلاميون والدرس المصري

BOBRIK

على الرغم من اختلاف السياقات والحيثيات، والبيئة التي نشأت منها كل حركة إسلامية على حدة، وطبيعة مشروعها السياسي والتربوي، وخلاصة تجربتها المحلية والإقليمية في مختلف المجالات، بالرغم من كل ذلك فمن المؤكد أن الحركات الإسلامية كيانات حية تستفيد من بعضها البعض، وهناك نسبة كبيرة من التفاعل والتأثير المتبادل بين تجاربها بصرف النظر عن التشابه النسبي بين محاضنها البيئية وأنظمة الحكم فيها،  و القواسم المشاركة الكثيرة بين المشاريع النهضوية والفكرية لهذه الحركات. وتبقى حركة الإخوان بمصر الحركة الأم ذات الريادة على الدوام، وكانت النموذج الأول الأكثر تجذرا وتأثيرا وإشعاعا، ولها امتداد تنظيمي وفكري وروحي في كل بقاع المعمور، ومعظم التنظيمات الإسلامية القائمة اليوم مدين لها ببعض الفضل أو كله، أكثر من ذلك قلما تجد منتسبا للصف الإسلامي لم يبدأ مشواره الفكري والتربوي بالنهل من تراث وأدبيات الإخوان.

ولعل ما شهدته بعض دول العالم العربي والإسلامي من موجات الربيع الديمقراطي وما تلاه من إسقاط أنظمة القمع والاستبداد وانكسار طوق الحصار على التوجه الإسلامي الذي خرج من السجون والمعتقلات والتضييق والعمل السري، وحملته رياح التغيير، بالسرعة النهائية مع تخطي الحواجز و حرق المراحل، إلى تسيير دفة الحكم عبر صناديق الاقتراع التي قيل أنها الأكثر نزاهة وشفافية، غير أن تجربة حكم الإسلاميين، رغم قصر مدتها، أبانت عن حالة من الكر والفر والإقبال والإدبار في علاقتهم ببنية الاستبداد والفساد، من بقايا الأنظمة المنهارة والخصوم الفكريين والأيديولوجيين بمختلف مشاربهم المسنودة من الغرب وأنظمة الريع العربية فضلا عن طبقة المستفيدين وذوي المصالح، الشيء الذي يثبت حجم الحقد والكراهية والعداء الذي يواجه به هذا المشروع وتأكد أصحابه أنهم غير مرحب بهم على الإطلاق، وأن تنفيذ برامجهم ووعودهم الإصلاحية لن يتم بالسهولة التي يعتقدون، وسيؤدون الثمن باهظا.

لقد أعادت أحداث الربيع الحياة للكيانات الإسلامية المنهكة وأنعشت ذاكرتها وأخرجتها من حالة الكمون والخمول ومكنتها من استعادة زمام المبادرة، فانفتحت شهيتها للسلطة وتفتحت آمالها في التغيير،وتعد تجربة الإخوان المسلمون بمصر، مرة أخرى،الأكثر غنى في هذا المجال، والأكثر إثارة للجدل والنقاش سواء من حيث طبيعة الجماعة في حد ذاتها كتيار قوي ومتجذر في المجتمع المصري، ورقم صعب يصعب تجاوزه في المعادلة السياسية بمصر، أو من حيث طبيعة النظام السياسي بأرض الكنانة وامتداداته العميقة وشبكته الأخطبوطية داخليا وخارجيا، والتيار العلماني الموالي لها، والذي لا يستهان بحجم السلطة التي في يده.مما يجعل تجربة أحفاد الإمام البنا غنية بالدلالات وجديرة بالدرس والتحليل، مما يؤهلها لتصبح نموذجا تفسيريا يقاس عليه ، فقد أثبتت التجربة أن ما يقع بمصر يجد له صدى ببقية بلدان العالم العربي والإسلامي سلبا أو إيجابا.

إن المخاض الذي تمر منه تجربة فصيل عمر أكثر من قرن وراكم تجارب وتراثا فكريا ضخما وآلة تنظيمية صارمة،و لم تسعفه في تسيير شؤون البلد لأزيد من سنة تكالب عليه فيها الخصوم وانقلب عليه الكثير من الأصدقاء ولم يمهلوه ليجرب حظه مع الحكم ويظهر جدوى وصلاحية مشروعه الإصلاحي، حيث فشل في الحفاظ على الشرعية التي اكتسبها عبر الصناديق ليتم قلب الطاولة عليه وخلط أوراق اللعب.ومازالت فصول هذا المشهد التراجيكوميدي مستمرة وحبلى بالمزيد من المفاجآت، وحبلى، من جهة أخرى، بالدروس والعظات لإخوانه في الصف الإسلامي، ولعل أهمها:

  1. 1.   الاغترار بموجة الربيع العربي وثماره التي لم تنضج على مهل، وتوهم سقوط الأنظمة، بينما الواقع يكذب ذلك ويبين أن بنية الاستبداد والفساد لم يطلها التغيير رغم سقوط أعلى هرم في السلطة، بل إنها تمكنت من التكيف مع الوضع الجديد بإعادة إنتاج نفس البنية بوجوه جديدة , وبأساليب وطرق مغايرة، بعد أن تمكنت من التقاط الأنفاس وأخذ الوقت الكافي لاستعادة العافية والتمكن من قلب المعادلة لصالحها من جديد.
  2. 2.   انفتاح شهية التيار الإسلامي بمجمله للسلطة وتسخير كل المقدرات التنظيمية والدعوية والبشرية من أجل الوصول إلى هذا الهدف، دون إعمال مبدأ التدرج الذي طالما نظرت له بإسهاب، ودون تأهيل الأداة التنظيمية والكادر البشري للأدوار الجديدة المخالفة كليا للأدوار السابقة أيام المعارضة، فكان الانتقال المبتسر وغير المدروس من موقع المعارضة الشرسة والراديكالية إلى مواقع التدبير والتسيير، ومن أدبيات المعتقلات والسجون والسرية إلى تولي دفة الحكم دون فترة انتقالية سلسة.
  3. 3.   عدم التقدير الجيد للوضع السياسي الجديد المترتب على إسقاط الأنظمة وتحرر الشعوب من عقدة الخوف والتجربة الأولى مع الحرية والديمقراطية الوليدة، إضافة إلى اتساع انتظارات هذا الشعب ورغبته الجامحة في تحقيق متطلباته على الفور، فوجد التيار الإسلامي نفسه يتحمل عبء تحقيق الانتقال السياسي وبناء الدولة من جديد ومواجهة الخصوم وتفكيك بنية الاستبداد والفساد وتحقيق الرخاء الاقتصادي…وجد نفسه يتورط في هذا المسلك المحفوف بالمخاطر والمنزلقات.
  4. 4.   الإيمان الساذج بنتائج الصناديق واعتبارها وحدها كافية ليستسلم أصحاب المصالح والدولة العميقة وقوى الارتداد والفساد لنتائج الانتخابات، والاعتقاد في أنه سيمكن من  وقته الكافي، لينزل برنامجه على أرض الواقع دون عراقيل، ليتأكد له فيما بعد أن خصومه لا يريدونه إلا رقما صغيرا لتأثيث مسرح اللعب  لا لاكتساح المشهد واستلام الحكم، وأنهم قادرون على التنصل من كل المبادئ والقيم والأخلاق والمروءة، وقلب الطاولة لمنع الاسلاميين من الحكم.
  5. 5.   تغليب منطق المغالبة على منطق المشاركة، ومنطق الديمقراطية العددية على منطق الديمقراطية التشاركية في التعاطي مع مختلف الشركاء في اللعبة الديمقراطية مهما كان حجمهم ووزنهم، بل والتقليل من حجم هؤلاء الخصوم والاستهانة بقوتهم والسلطة التي بحوزتهم.
  6. 6.   الثقة الزائدة في النفس والاعتداد بقوة التنظيم والتوفر على الموارد البشرية والتقنية، والثقة في الشعوب وميلها إلى مساندة التيارات التي تعبر عن هويتها وانتمائها الحضاري، دون الاعتبار بالمطالب الاجتماعية والاقتصادية التي قد تجعل الشعب ينصرف عنهم في حال عدم تحقيقها.
  7. 7.   وضع بيض الدعوة كله في سلة السياسة، مما جعل العمل الدعوي تابعا وخاضعا لتقلبات الوضع السياسي، وعدم استفراغ الوسع في صياغة اجتهادات للتميز بين المهمتين على مستوى الهياكل والتنظيمات والوظائف والقيادات، وعدم الاستفادة من بعض  التجارب الجنينية لدى بعض الحركات الإسلامية في هذا الشأن، مع العمل على تطويرها وتبيئتها.
  8. 8.   الاستمرار في إنتاج خطاب ديني راديكالي وشمولي يزيد في تعقيد الوضع وإذكاء مخاوف الخصوم وتكثير الأعداء، دون إدراك وقع وثقل الجهاز المفاهيمي المتداول على المتربصين، وأن الخطاب ينبغي أن يتلاءم مع المواقع الجديدة التي يتبوأها الفاعل الإسلامي، ودون الاستناد إلى منطق المصالح المرجوحة والتدرج المطلوب
  9. 9.   عزلة الحركات الإسلامية وعدم قدرتها على نسج تحالفات إستراتيجية مع أطراف أخرى مخالفة لها في المرجعية بهدف تأمين الاندماج السلس للتيار الإسلامي كلاعب جديد في المسرح السياسي، وتوفير الظروف الملائمة لإرساء دعائم الدولة الديمقراطية وتقوية جبهة الصف الديمقراطي الوطني.
  10. 10.        إسقاط العامل الخارجي من الحسبان، مما جعل القيادات المنتخبة تتصرف وكأن الدول التي تقودها تمتلك قرارها السياسي والاقتصادي وقادرة على تنفيذ برناجها السياسي الخارجي والداخلي وبناء اقتصادات قوية بمحض إرادتها بصرف النظر عن المنتظم الدولي واللوبيات الخارجية.
  11. 11.        الاستهانة بقوة السلطة الرابعة، المتمثلة في الإعلام، وقدرته الفائقة عل زعزعة العروش وإسقاط الدول أو التمكين لها، والفشل في صنع آلة إعلامية قوية تنافس قنوات التحريض ضد العمل الإسلامي وتمتلك ناصية المهنية والاستقلال النسبي عن التنظيمات، وتخرج من قوالبها الجامدة لتنتج إعلاما رساليا بأدوات عصرية وخطاب متفاعل وقوي دون الانسلاخ عن الهوية الحضارية والمرجعية الإسلامية.
  12. 12.        الافتقاد إلى نموذج تواصلي فعال، يجعل الماسك بزمام الأمور حاضرا في جميع المحطات يتفاعل مع الأحداث ويسوق للمنجزات، ويطمئن الخصوم ويفند المزاعم ويذلل العراقيل والصعوبات، يخاطب الشعب بدون وسائط ويعزز أواصر الثقة مع كافة الفرقاء.

 عمر ببرك







تعليقات

  • وكأني أقرأ لببغاء من رابعة العدوية،مقال لتغييب العقل.التنظيم الدولي للإخوان تلقى ضربة قاصمة من الشعب المصري المسلم،وصل ارتداد هزتها الى فرع التنظيم في المغرب؛حركة التوحيد والإصلاح

  • الحمدالله والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى اما بعد
    عيد مبارك سعيد واسال الله عز وجل ان يتقبل منا ومنكم صالح الاعمال انه سميع مجيب
    خير تعليق لمقالك اخي عمر قوله تعالى ” فلما نسوا ماذكروا به فتحنا عليهم ابواب كل شئ حتى اذا فرحوا بما اوتوا اخذناهم بغتة فاذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمدلله رب العالمين”
    اخي عمر الله يشهد اني احبك في الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.