بعد سنوات من الجفاف الديمقراطي و خنق لأصوات الحرية،تذكرنا جميعا دلك اليوم الذي هطلت فيه الجماهير الشعبية إلى شوارع تونس الياسمين،اليوم الذي انتظرته شعوب العالم الثالث كانتظار المطر في فصل الصيف،حينها غنت بقصيدة واحدة عنوانها “ادا الشعب يوما اراد الحياة” انداك انتقلت العدوى إلى دول الجوار حيث لم تسلم الأنظمة الإمبريالية العالمية من هذه الرجة الثورية التي هزت أركان تل أبيب و واشنطن و باريس قبل القاهرة و تونس العاصمة ،ذلك المشهد ذو الدلالة العميقة سياسيا و ثقافيا مازال حاضرا في دهون الشباب العربي . هذا التذكير البسيط الذي بدأت به هو فقط من أجل أن نذكر كل الديمقراطيين و الأحرار و وكذلك اللاديمقراطين بمسار قريب عنا أفرز تحولات عميقة على المستوى المفاهيمي الثقافي،وكذلك على المستوى الاجتماعي المعيشي؛لم نكن نتصور يوما أن ما حدثنا به الدكتور المغربي المهذي المنجرة في كتابه الرائع ”إنتفاظات في زمن الذلقراطية ” حدث بالأمس القريب حين تنبأ ببزوغ انتفاضات شعبية ستعم آرجاء الوطن العربي مستمدة شرعيتها من مقاومة و ممانعة الأنظمة الاستبدادية، فخص الدكتور جزأ مهما في كتابه لدراسة أزمات الأمة المتعلقة أساسا بالنكوص الحضاري الذي تشهده. وبعلميته المشهود له بها عالميا نظر لنشوء إنتفاظات شعبية ستكون مطالبها عن الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية ،لكنه لم يشير إلى سيناريوهات مابعد الإنتفاظة “أو ألثورة ،خصوصا مابعد طلوع الكتلة التارخية “الحركة الإسلامية المعتدلة ‘ إلى الحكم ,وهو الذي نظر في نفس الكتاب لانتقالها من المعارضة إلى المشاركة في البناء،؛لكن ليس المنجرة وحده الذي تحدت و نظرعن كيفية الخروج من الأزمات ،ها هو مالك بن نبي المفكر الجزائري رحمة الله عليه ،الذي يبدو على ما ألفه من كتب أنه يخاطب الضمير و الوجدان الشعبي من خلال تأكيده على البعد الاجتماعي و الروحي للدين الإسلامي وهو الذي دعا إلى تغيير الشعور الدي يسكن الامة منذ قرون عدة “شعور القابلية للاستعباد” وذلك من خلال التمسك بروح الدين و تحرير المرأة وذلك بتوجيه الثقافة والعمل ،لقد صدق في تشخيصه لهذا الألم العقيم “ألم الشعور بالقابلية للاستعمار”،وها نحن اليوم نشهذ بمصر بلد الكنانة أبشع الصور لتمثلات ذلك الشعور ؛فإذا استمر الوضع قائما فإنه لا محالة أن الاستبداد سيعود إلى موطنه الأصلي مادمت الشعوب غير قادرة على أن تودع الإستبداد،وهذا ما لا نتمناه في بلد كمصر، لكن رغم كل ما قيل و سيقال عن هذه النكسة الأخيرة “الانقلاب العسكري بمصر”فإن لا محالة أن سنن التغيير الثابثة و إستنادا إلى الدورة الخلدونية ،وتصديقا لنظرة تونبي “التحدي يولد الاستجابة” فإن الحرية ثمن باهض و لاجتياز نهر الانتقال الديمقراطي لبد من المرور على جسر المعانات ، هكذا الحال في مصر وباقي الدول الإسلامية،فبالرجوع للتاريخ نعيد نفس الصورة بشكل أقل مما يجري الآن ففي سنة 1881 وقعت ثورة العرابين بمساندة من قوى الإصلاح المتكونة أساسا من رواد مدرسة جمال الدين الأفغاني ،هذه الثورة التي تم إسقاطها منذ انطلاقها ،هذا المشهد الذي يريده سيسي و أسياده من إسرائيل و أمريكا أن يتكرر في أحلك صوره بعد ربيع كشف كل الاعيب الأنظمة السياسية العربية المتحالفة مع الصهيونية العالمية،لكن شتان بين ثورة العرابين وبين ثورة 25 يناير،إنها نهاية أحلام المستبدين تلوح على الأفق ،لكن بعد 30 يونيو بمصر و قبل في أحداث سيدي بوزيد و الآن مع التشويش المفضوح على الحكومة المغربية نعيد السؤال من جديد هل هي أزمة شعوب أم أزمة نخب؟هل هو غياب لفقه سياسي عند الحركات الإسلامية بعد أن تربعت في السلطة؟ ؛ عموما الإجابة تقتضي نوع من الموضوعية و تتبع منطقي تحللي للأحذات حتى تتضح لنا صورة ما يقع بالفعل ، ونحن نتأمل ونتدبر نرى أنه بالفعل هي أزمة شعب و ازمة نخب وكذلك وقوع أخطاء في الفقه السياسي لمدارس الإصلاح من القاهرة إلى الرباط،هذا الفقه السياسي و بالنظر إلى التاريخ الإسلامي منذ سقوط نظام الخلافة سنة 1258 م ،الذي لم يتطور إلا بعد مجئ إبن تيمية باجتهاد مشهود له بعد أن صار السلاطين خلفاء في مناطقهم بطريقة “الملك العض”،و التيارات الإسلامية التي استفدت من ثرات إبن تيمية مازالت تعمل بمقتضيات اجتهاده رغم أن هناك فرق شاسع بين زمن إبن تيمية و اليوم ،فعلى الحركات الاسلامية أن تطور من فقهها السياسي لتواجه به الراديكالية “الإسلامية “الوهابية التي تشكل خطرا على المنطقة كلها(“نموذج تنظيم القاعدة،نموذج السلفية بالسعودية… )،كما واجهة التنويرية الأوربية الفوضوية الشيوعية..إن أزمة الإصلاح التي ذكرنا أبرز تمثلها أعلاه ،لا يمكن أن تحل إلا عبر إعادة بناء مفهومي الدولة و الأمة (للمزيد يمكن الإطلاع على كتاب قيم للباحث المغربي سلمان بونعمان “أسئلة دولة الربيع العربي نحو نموذج لاستعادة نهضة الآمة)و ذلك بالحياد الفكراني والتحيز الحضاري والانحياز للحق كائنا من كان قائله،لهذا فأنا أرى مقتبسا وجهة نظري من كلام عالم الشرع والقانون ذ المورودى ، أن النظام الاجتماعي و السياسي يستند أولا إلى دين راسخ حيث عواطف الإنسان مضبوطة (مثال :المظاهرات المؤيدة لمرسي كانت أكثر انضباطا وسلمية)،ثانيا حاكم قوي (أرذوغان و مرسي كنموذجين)،ثالثا قيم العدالة كمعطى مهم مرتبط بتطبيق نظام اقتصادي قادر على التوزيع العادل للثروات.ومن خلال هذه الاستنادات الثلاث فإننا نقول بكل جرأة و بكل عفوية صادقة أن الحركة الاسلامية المعتدلة اتخذت هذا المسار منذ بزوغها سنة 1928 على يد زعيم القرن 20 حسن البنا, و بالتالي فإمكانية الإصلاح قائمة لا محالة ما دامت هذه الحركات الإسلامية وفية للاستنادات الثلاث التي ذكرنا آنفا.
هشام الناجي
تعليقات