الخميس 14 نوفمبر 2024| آخر تحديث 7:34 07/13



حيرة الانقلابيين

حيرة الانقلابيين

boubrik

دشن الجيش المصري والمعارضة المشكلة من فلول النظام السابق والعلمانيين واليسار والقوميين، بدعة جديدة في الديمقراطية ما لها من قرار وما لها من نهاية، ولن تفلح أبدا في إرجاع الاستقرار للشعب المصري الذي لم يفرح بعد بثورته المجيدة وربيعه الديمقراطي الذي أسقط به نظام مبارك الفاسد والمستبد الذي جثم عل الصدور وخنق الأنفاس وقيد الحريات وأورد مصر موارد الهلاك، فقد احتكم الجيش ومساندوه إلى مفهوم جديد للديمقراطية يكتسب الشرعية من خلال توقيع العرائض والنزول إلى الشوارع وحرب الميادين والشعارات، والتهوين  من شرعية الصناديق التي لا تكفي لوحدها، حسب اعتقادهم، للحكم وتولي زمام تدبير شؤون الدولة، وأن الشعب من حقه استرداد صوته الذي منحه للرئيس والمسؤول إذا ظهر له عدم وفائه بوعوده، وفشله في تحقيق مطالب الشعب بصرف النظر عن المدة التي أمضاها في الحكم.

غير أن المحك في هذه النظرية الجديدة في الديمقراطية يتجلى في قدرة الماسكين بزمام الانقلاب اليوم من تحويلها إلى قواعد ملزمة يحتكم إليها الجميع بلا فرق ولا تمييز، وليس أمامهم غير ذلك خاصة في ظل التطبيل من قبل الإعلام والنخب المنحازة واجتهادها في تأصيل هذه البدعة، وبالتالي ما عليها إلا النزول عند رغبة  الحشود من المتظاهرين التي ملأت ميادين مصر دفاعا عن الشرعية والتي تفوق  أعدادها تلك التي خرجت للانقلاب على الشرعية، ومعاملتها وفق ما تمليه القواعد الجديدة وإعادة الرئيس مرسي إلى منصبه والتراجع عن حل مجلس الشورى والإفراج عن المعتقلين وإعادة الحرية للإعلام والصحافة…

إن أكبر انعكاس متوقع من السلوك الجديد للنخبة العلمانية يتمثل في كون التيار الإسلامي عموما والمصري على وجه الخصوص تطلب منه الأمر قرابة نصف قرن من تقليب النظر في الديمقراطية والاجتهاد من أجل التكيف والتعايش معها وتجاوز رواسب ومخلفات كثيرة حتى آمن بها بحق وعن قناعة، بل مارسها بجدارة في تنظيماته، إلا أنه مع أول انتخابات نزيهة يفوز فيها وتتاح له فرصة تسيير دفة الحكم يتم التكالب عليه بشكل غير مسبوق ليتم الانقلاب على شرعيته التي لم يهنأ بها بعد، ولم يمض على فوزه سوى سنة بالكاد، لم يذق فيها الرئيس الجديد طعم الاستقرار حيث حوصر وضيق عليه وأهين وسلطت عليه زبانية النظام البائد، بل ويتم سلخه يوميا في استوديوهات قنوات التحريض الفلولية الفتنوية.

بهذا السلوك الهجين اللاديمقراطي يعطي تيار جبهة الإنقاذ الذريعة للكفر بالديمقراطية وتزكية المفهوم الذي طالما اتهم به الإسلاميون من استعمال الديمقراطية من أجل الوصول إلى الحكم ثم الانقلاب عليها بعد ذلك.

الجيش والمعارضة جربوا كل السبل والطرق لإسقاط الشرعية، واليوم ليس أمام هؤلاء سوى وسيلتين فقط لا ثالث لهما إما الاحتكام إلى الصناديق والاعتراف بالفائز ديمقراطيا، وإما الاحتكام إلى الشارع بالاحتشاد وملء الميادين، والفوز آنذاك يكون من نصيب من حشد أكبر عدد من المتظاهرين، وفي كلا السبيلين فجبهة الانقلاب ستخسر الرهان والمعركة لأن التيار الإسلامي أثبت أنه فارس الصناديق والميادين معا، لهذا نرى الجبهة تستعين بالقوى المناهضة للإصلاح وأعداء الإسلاميين في الداخل والخارج ماديا ومعنويا لضمان الانقلاب، وما تزال خيوط اللعبة تتكشف يوما عن يوم ويظهر بوضوح اللاعبون في مسرح الأحداث بأرض الكنانة.

بعد كل هذا لا يمكن تسمية ما قام به الجيش بإيعاز ومباركة واستدعاء ممن يخشون النزال الديمقراطي، إلا بلحظة اختطاف الشرعية وإجهاض الثورة الوليدة استغفل فيها الشعب المصري والحركة الثورية ، فبعد يومين فقط من التظاهر التزمت فيهما الدولة ومؤيدو الرئيس المعزول بالهدوء وإعطاء الفرصة للمعارضة للتعبير عن رأيها سلميا وبشكل ديمقراطي، ليتفاجأ الجميع بالقرارات المتسارعة للجيش والمعارضة لتهريب الشرعية والانقلاب على الحكم، وما يتبع ذلك من عودة العسكر إلى الحكم من بابه الواسع بمباركة من كانوا يرفعون في الميادين ” يسقط يسقط حكم العسكر”.

إن قواعد اللعبة الديمقراطية تقتضي الإنصاف والعدل وتحمل المسؤولية كل طرف من موقعه مع استحضار مستقبل البلد وجعل المصلحة العليا فوق كل الاعتبارات، ومن هذا المنطلق فإن الأخطاء التي وقع فيها الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين لا تبرر مطلقا الانقلاب العسكري وإسقاط شرعية الصناديق وكل ما يترتب عنها والعودة بالبلد إلى عهود مبارك والتي قبله، إن أكبر خطأ ارتكبه الإخوان هو ثقتهم العمياء في الربيع الديمقراطي واعتقادهم أن النظام سقط فعلا وأن عهد الديمقراطية والحرية والاستقلال قد بدأ بالفعل متناسين قوة الفلول ومعسكر المحافظة المسنود بقوى الردة الديمقراطية داخليا وخارجيا، أخطؤوا في تولي المسؤولية بعد موجة الربيع وما صاحب ذلك من ارتفاع سقف المطالب والانتظارات فضلا عن الأزمة التي تنخر معظم قطاعات البلد وتحمل مسؤولية ثقل المرحلة الانتقالية الصعبة بمفردهم وما يلزمه ذلك من إصلاحات سياسية ودستورية عميقة، أخطأوا في اعتبار صناديق الاقتراع وحدها تكفي لتحقيق التوازن في البلد والتداول السلمي على السلطة ومباشرة الإصلاحات التي على أساسها انتخب الرئيس في الوقت الذي تقتضي اللحظة قدرا من التوافق في إنجاز الاصلاحات وإشاعة جو من الثقة لدى الفاعلين داخليا وخارجيا. غير أن المعارضة بجميع تلاوينها كانت أخطاؤها أفدح وأخطر، فزيادة على عدم تجاوبها مع المبادرات الإصلاحية للرئيس، فإنها لم تكن في مستوى اللحظة التاريخية التي تقتضي تجاوز الخلافات الإيديولوجية والفكرية والمصلحية مما جعلها تستعمل كافة الأساليب الشرعية وغير الشرعية لعرقلة عملية الإصلاح والمطالبة برأس الدولة والجماعة بأي ثمن ولو كان إحراق البلد والتضحية بمكتسبات الثورة والمبادئ الديمقراطية، وإرجاع العسكر للتحكم في اللعبة من جديد.

عمر ببرك







تعليقات

  • اخي عمر ما طرحته في مقالك هو حقيقة ما تعرفه ارض الكنانة .ان مصر في الحقيقة مجال صراع قوى من اجل مواقع السيادة والسيطرة وهي صورة مصغرة لما تعرفه مختلف فضاءات العالم العربي .حيث صراع التاسيس لمفاهيم تؤطر الحياة السياسية دلك ان محاولة مقاومي التغيير الارتكاس بالوعي الدمقراطي وخندقته في بعد المصالح الخاصة للدين زج بهم الربيع العربي في الهامش لن يجعل من الشعوب العربية مجرد ببغاوات عاكسة للصداء .دلك ان السير في هدا الاتجاه يشوه الصورة التي رسمتها تلك الشعوب لنفسها بعد عناء و طول انتظار ويعود بها الى دلك الطرح الدي كبل قدراتها و حد من حرياتها .اخوك الفارسي

  • الحمد الله وحده والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى
    صديقي عمر لقد اشتقت اليك كثيرا فقد فرحت عندما وجدت صورتك في هذا المنبر مما الزمني ان اقرا لك هذا المقال الرائع والذي ان دل فانما يدل على فهمك الصحيح لما يجري في ارض الكنانة ,فقد شرحت وانصفت وقد وسعت فاصبت ,
    صديقي عمر اني احبك في الله واقول لك رمضان مبارك سعيد
    سلام على النيا ان لم يكن فيها صديق صدوق صادق الوعد منصفا
    اخوك السيد موح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.