الجمعة 22 نوفمبر 2024| آخر تحديث 9:29 05/28



تفاصيل قصة وفاة نعيمة: الكشف عن تدهور الوضع الاستشفائي بإقليم تيزنيت

تفاصيل قصة وفاة نعيمة: الكشف عن تدهور الوضع الاستشفائي بإقليم تيزنيت

الأسبوع الذي نودعه مرت أيامه على قطاع الصحة بتيزنيت كما لم تمر سنوات، أسبوع لا شاغل للشارع التيزنيتي فيه سوى تتبع بل والمشاركة الطوعية في الأحداث الواقعية لمسلسل تراجيدي ابتدأت حلقاته بدخول أم قسم الولادة بالمستشفى الإقليمي الحسن الأول لتضع مولودها، وبلغت أحداث المسلسل ذروتها بوفاة الأم على سرير مصحة خاصة تاركة وليدها تحت العناية المركزة بأكادير، وبتوالي تفاعلاته مدنيا وسياسيا وإداريا لا زالت تطوراته لم تعرف النهاية. ومن أجل نعيمة نعيد الحكاية من البداية.
نعيمة تدخل المستشفى للولادة والطبيبة غائبة
الزمن مساء الخميس حوالي الساعة السادسة والنصف. والمكان بوابة قسم الولادة بالمستشفى الإقليمي الحسن الأول بتيزنيت. نعيمة كركوزي وأختها تتبادلان الابتسامات والأخت تربت على كتف نعيمة مشجعة إياها لتتحمل آلام المخاض، ونعيمة ترد بنظرات الطمأنة والتظاهر بأن لا خوف ولا مهابة فليست المرة الأولى التي تدخل فيها إلى قاعة الولادة فهي تخوض تجربتها لترى مولودها الثالث في عقدها الثالث. نعيمة المسكينة لا تدري ما يهيأ لها من سيناريو مسلسل تراجيدي مأساوي قرر معدوه أن تلعب فيه دور البطولة لكن بنهاية حزينة، فوراء باب غرفة بجوارها كانت الممرضات الثلاثة العاملات بقسم الولادة حينها واللواتي استقبلنها بالبشاشة والترحاب كن يهاتفن الطبيبة المداومة محاولات إقناعها بأن حالة نعيمة التي استقبلنها توحي بعلامات الاستعجال وأنها تخفي شيئا ما، وشيئا فشيئا ونعيمة يداهمها ألم المخاض ومددت على سرير الولادة بغرفة التوليد وكانت الساعة العاشرة ليلا، وفي نفس الوقت يتأكد للممرضات أن الطبيبة لن تحضر وهي التي عملت منذ الثامنة صباحا إلى الرابعة بعد الزوال ومعنية بالمداومة وفق محضر اجتماع لتنظيم عمليات الولادة بالقسم لأن الطبيبين الآخرين العاملين بقسم الولادة كانا في رخص بالتغيب، الأول برخصة مرضية والثاني في إجازته السنوية، لم يكن أمام الممرضات إلا تقديم المساعدة وبذل العناية قدر المستطاع، إلا أن الحالة غير العادية لتموضع الجنين واستحالة خروجه بشكل عادي تطلب الأمر إشرافا طبيا متخصصا وهو ما لم يتوفر للممرضات.
ترحيل نعيمة نحو مستشفى أكادير لتموت بمصحة خاصة بتيزنيت
 كان قرار نائبة المدير الذي كان في مهمة إدارية بالوزارة بالرباط بعد استنجاد الممرضات بها، يقضي بأن ترحل نعيمة نحو المستشفى الجهوي بأكادير، وحررت أوامر بالمهمة لكل من السائق لسيارة الإسعاف والممرضة المرافقة وخرجت السيارة وعلى متنها نعيمة تصارع آلامها، كانت الوجهة أكادير لكن قرارا مفاجئا من الممرضة حول الوجهة إلى مصحة خاصة ومعها أدار السائق مقود السيارة لتدخل نعيمة مؤسسة صحية خاصة غير بعيد عن المستشفى العمومي الذي خرجت منه، كانت الساعة تشير إلى حوالي الساعة الحادية عشر ليلا لما وُضعت نعيمة تحت إشراف الطاقم الطبي للمصحة الخاصة بعد أن ودعت أختها بكلمات عتاب عن أنها تركتها وحدها بقسم الولادة بالمستشفى الإقليمي. عشر دقائق كانت كافية لفصل الجنين عن نعيمة فأخرج لأفراد العائلة لطمأنتهم عن أن الولادة تمت والأمور تسير بخير. لحظات التقاط أنفاس لاستقبال الصدمة الموالية، العائلة تُخبَرُ أن المولود سينقل على المستشفى الجهوي بأكادير للعناية المركزة، لكن الخبر الذي لم يخبروا به هو أن نعيمة في ساعتها الأخيرة وأن العملية القيصرية التي أجريت لها تسببت لها في نزيف حاد لم ينفع معه 17 كيس من الدم كان كل ما اختزن في بنك الدم بالمستشفى الإقليمي من فصيلة دم نعيمة، كما لم ينفع معه مرابطة الطاقم الطبي إلى جانبها حتى الصباح. فكانت الفاجعة، نعيمة فارقت الحياة.
 

بعد الوفاة نعيمة تكمل سفرها نحو أكادير
في صباح الجمعة اليوم الموالي كان الهم الأول لمبارك شهايب زوج نعيمة هو مبلغ 8000 درهم الذي طالبته به إدارة المصحة الخاصة وكذا هم أن يجد جوابا لسؤاله المحير عمن نقل زوجته للمصحة الخاصة دون علمه وموافقته، كان ذلك أهم لديه من أن يطمئن على زوجته ومصيرها، فراح صوب إدارة المستشفى الإقليمي وهو متأبط شكاية يستفسر من خلالها عن كل ذلك. وبمجرد أن أنهى إجراءات وضع الشكاية ليفكر في الالتحاق بالمصحة تلقى مبارك اتصالا هاتفيا من إدارة هذه الأخيرة طالبة منه الحضور فورا ليجد الخبر الصاعقة.
فصل آخر لم يرحم فيه مخرجو المشاهد المأساوية لمسلسل نعيمة الزوج مبارك، فمنذ هذه اللحظة تقرر أن يعوض الزوج زوجته في بطولة المسلسل، استهل دوره برفض تسلم جثمان الزوجة وطالب في شكاية وجهها إلى وكيل الملك بابتدائية تيزنيت فتح تحقيق يكشف الأسباب الحقيقة التي أدت إلى وفاة زوجته وطالب في ذات الشكاية بإجراء تشريح طبي على الجثة. مطلب سيجد آذان النيابة العامة له صاغية وملبية، فقد قرر وكيل الملك بابتدائية تيزنيت نقل الجثمان إلى أكادير وإجراء التشريح الطبي عليه لعل ذلك يكشف حقيقة الوفاة ويساهم في تحديد المسؤوليات في إزهاق روح نعيمة.
تعقيدات في وضع الجنين وضع حدا لحياة نعيمة
 علمت الجريدة من مصادر طبية أن نعيمة “التي وفدت على المستشفى كانت حالتها ناذرة واستثنائية، تعرف في علم التوليد بـ Présentation de front والتي يستحيل أن تتم بطريقة عادية، وتعد من أعسر الولادات، بحيث يلزم القيام عند حدوثها بعملية قيصرية لاستخراج الجنين في أقرب وقت، وإلا فإن التصاق رأس الجنين بحوض أمه يؤدي إلى ما يسمى بـ l’enclavement ، مما يؤدي إلى إعياء وإرهاق عضلة الرحم وبالتالي إلى النزيف الحاد ثم إلى فقدان دم المرأة الحامل لخاصية التخثر CIVD ، ثم إلى الوفاة رغم عمليات نقل الدم التي تبقى ممكنة لكن دون جدوى” وهو ما حدث مع نعيمة التي وصلت إلى 17 كيس من الدم دون جدوى.
وزارة الصحة تدخل على الخط وتبعث لجنة تحقيق
وصل خبر الوفاة إلى الصحافة وتناقلته المواقع الإلكترونية، لتحظى القضية بتعاطف الشارع وتذري الملح على جرح قطاع الصحة، كما نفخت في ناره تحت الرماد لتشتعل لهيبا أطلق شراراته الأولى الحسين الوردي، وزير الصحة نفسه، بإرسال لجنة تحقيق مركزية تابعة للمفتشية العامة لوزارته، باشر مفتشو اللجنة الاستماع فور وصولهم إلى كل من له علاقة من قريب أو بعيد بالنازلة كما فحصت وثائق ومستندات وثقت دخول وخروج نعيمة من وإلى المستشفى والمصحة. الطبيبة المداومة التي كان من المفترض أن تكون القائمة بتوليد نعيمة جاءت إلى اللجنة على كرسي متحرك ومدعومة بعكازين للمشي بعد أن أدلت بشهادة طبية لإدارة المستشفى منذ صباح الجمعة يوم وفاة نعيمة.
حلول اللجنة كان شرارة لهيب القطاع الصحي لأن التيزنيتيين كانوا مدة من الزمن خاضوا وقفات وأسسوا تنسيقية للدفاع عن الخدمات الصحية بالإقيم وكان من مطالبهم حلول لجن تفتيش مركزية تقف على ما كان المستشفى الإقليمي يعج به من مظاهر الرشوة والفساد والاستهتار بالمسؤولية والإهمال ما زال البعض من الأطر الطبية متهمة بعدم توبتها منه، فكانت فرصة حلول اللجنة الأخيرة فرصة لهؤلاء وهيآتهم المدنية والنقابية والسياسية سارع معها البعض لعين المكان لتسليم اللجنة شكايات وبيانات عن معاناتهم ومطالبهم بالإنصاف والتحقيق.
دفنت نعيمة وأحيت قضيتها ملف الوضع الصحي بالمدينة
شيع جثمان نعيمة في جنازة مهيبة اختلط فيها الحضور الرسمي والمدني والأمني والسياسي والنقابي والعائلي. خليط قل ما يجتمع في جنازة عادية إلا ليعطي إشارات ورسائل لمن يهمه الأمر، وفي جنازة نعيمة أشر هذا الحضور على أن ملف المستشفى الإقليمي وأوضاعه لن ينتهي تناوله بدفن جثمان نعيمة، إن مراسم الدفن هي في الحقيقة أذان بميلاد جديد لحراك احتجاجي عنوانه الوضع الصحي ومضامينه شتى، أولها كان سيسيا أشرت عليه بيانات الأحزاب السياسية والهيآت الحقوقية والنقابية التي لم تكن موحدة في وجهة سهامها، فمنها من أراد رأس مدير المستشفى الإقليمي، ومنها من استهدف الوزارة ومنها من كال الاتهام للكادر الطبي والتمريضي، وإن كانت كل البيانات متفقة عن اعتلال المستشفى بالرشوة والابتزاز والإهمال والاستهتار بالمسؤولية، ومنها من اتخذ الحادث فرصة للدعوة إلى تقييم الوضع الصحي واستخلاص العبر للمستقبل. شكل آخر اتخذته مضامين الحراك الجديد هو الوقفات لاحتجاجية بين وقفات لأهالي نعيمة وأسرتها ومؤازريها تحركها الحرقة والألم والرغبة في كشف حقيقة وفاة فقيدتهم، ووقفات أخرى ذهبت بعيدا عن نعيمة ورفعت شعارات تطالب بالتغيير وتنشد محاربة الفساد في القطاع، وفصيل ثالث من الوقفات يبرئ ساحة أطر بعينها وينتظر نتائج تحت الطلب في تقرير لجنة التحقيق.

نعيمة لم تكن وحدها في موكب الجنائز
أرشيف وتاريخ المستشفى الإقليمي بتيزنيت من حالات الوفيات على سرير الولادة أو نتيجة أخطاء طبية أو نتيجة إهمال أو تقصير ينطق بأن حالة نعيمة لم تكن الأولى من نوعها، ولا كانت أشد من حالات أخريات لكل واحدة منها قصة تضاهي أو تكافئ حالة نعيمة، فحالات قيل أن نفاذ مخزون الدم من المستشفى أودى بحياتها (أختين من سيدي إفني)، وحالة المرحومة النجمة الكراري التي دامت غيبوتها على سرير المستشفى بعد الوضع أزيد من أربعة أشهر قبل أن تلفظ أنفاسها بمستشفى ابن طفيل بمراكش، وزوجة مسؤول إقليمي سام في الدرك الملكي التي راحت ضحية مضاعفات عملية قيصرية أثناء الولادة ماتت بعد نقلها على متن طائرة إلى الرباط، وحالات أخريات تطول قائمتها والقصص تتشابه. بوطعام محمد – الأحداث المغربية