الأحد 8 سبتمبر 2024| آخر تحديث 11:40 04/10



المدرسة العلمية العتيقة الكريمة الساحل بتيزنيت: معلمة علمية بفضل المحسنين – الجزء الأول –

المدرسة العلمية العتيقة الكريمة الساحل بتيزنيت: معلمة علمية بفضل المحسنين – الجزء الأول –

توجد المدرسة العلمية العتيقة الكريمة في قلب دوار إخربان بالكريمة بالجماعة اللقروية أربعاء الساحل (20 كلم جنوب مدينة تيزنيت)، وهي واحدة من أقدم المدارس القرآنية بالمنطقة، بالرغم من كون تاريخ إنشائها غير محدد، إلا أن الوثيقة التي كتبها الطالب محمد لاخر سنة 2005، تتحدث على أنها “مدرسة دينية مدى الأزمان السالفة كما شهد بذلك بعض الشيوخ كسيدي محمد بن ابراهيم جضهيم والفقير إبراهيم ندسيدي محمد والحاج بلخير بن محمد وغيرهم من كبار السن  شهدوا كلهم بأن هذه المدرسة مضى عليها ما يناهز سبعة قرون”.
علماء أفذاذ درسوا بالكريمة
باستثناء مؤلف العلامة الحاج عمر الساحلي الذي أورد بعض أسماء العلماء الذين شارطوا بالمدرسة العلمية الكريمة، تكون الوثائق في هذا الباب شبه منعدمة. إلا أن شهادات بعض الشيوخ تؤكد أن ثلة من العلماء والشيوخ درسوا في مدرسة الكريمة خلال القرن العاشر الهجري (1544م) جميع فنون العلم من الأجرومية والألفية والزاوي وابن عاشر ومقامات الحريري، ومنهم الشيخ سيدي محمد التمنارتي الذي كان يعلم ما يقارب 40 طالبا، سيدي عبد الله الهاشتوكي بـ 45 طالبا. وفي القرن الحادي عشر الهجري، شارط في المدرسة الفقيه سيدي إبراهيم من قبيلة أبوكرفا بـ 30 طالبا وسيدي ابراهيم بن محمد التمناري، صاحب القبة في دوار إكرار سيدي عبد الرحمان بأكلو في القرن الثالث عشر، وكذلك سيدي محمد أعبد الله حميدوش، ابن المنطقة بإخربان وعنده 30 طالبا. بالإضافة إلى الذين درسوا فيه هذه المعلمة الدينية خلال القرن الرابع عشر الهجري، ومنهم سيدي الطيب بن محمد وسيدي عثمان بن محمد وسيدي الطاهر السمهري ووسيدي احمد بن محمد الافراني وسيدي الطيب بلمنصوري البعمراني وسيدي محمد بن ابراهيم البعمراني وتبعه سيدي عبد الله الفيضي وسيدي محمد بن الحسين الجراري وسيدي الحاج احمد الزيتوني وسيدي عبد الرحمان الماسي، ثم سيدي محمد بن الطاهر السملالي وسيدي الحاج محمد النظيفي وسيدي الحاج عبد اللهه السملالي سنة 1964 وسيدي ابراهيم الجراري سنة 1972 وسيدي محمد بن سعيد الرسموكي وسيدي ابراهيم البودراري وسيدي الحسين بن سليمان التجاجتي عام 1985 إلى حدود نهاية  1986 حيث خلفه منذ ذلك التاريخ إلى اليوم العالم الجليل سيدي محمد بن احمد التوفيق من منطقة مجاط. وخلال 23 سنة وهي المدة التي رابط فيها هذا العالم الموسوعة بهذه المدرسة، عرفت هذه الأخيرة توسعا وشهرة كبيرة تجاوز حدود المغرب، حيث شهدت مدرسة الكريمة في عهده أكبر تواجد للطلبة، 120طالبا والذين يفيدون إليها من جميع مناطق المغرب (الناظور، الحسيمة، القنيطرة، قلعة السراغنة، مراكش، آسفي، الصويرة، كلميم، أكادير ونواحي تيزنيت…)، أما الآن، فيتواجد بالمدرسة 85 طالبا. وعن أسباب اختيار مدرسة الكريمة لطلب العلم، صرح أحد الطلبة وهو من إقليم مراكش “إن مجيئي إلى المدرسة العلمية العتيقة الكريمة جاء بعد أن سمعت من زملائي الطلبة الذين تخرجوا هنا عن سمعة طريقة التدريس بها ومجهودات الشيخ الجليل سيدي محمد التوفيق الذي يبدل كل ما في وسعه ماديا ومعنويا للارتقاء بهذه المدرسة، بالإضافة إلى العناية الكبيرة التي يليها بعض جنود الخفاء من المحسنين من أبناء المنطقة لتوفير الظروف المناسبة للطلبة من أجل متابعة تعليمهم ودراستهم دون أدنى مشكل”. كما أن هؤلاء الطلبة يقطنون داخل المدرسة، حيث يتوزعون على 74 بيت ذات مساحات مختلفة، فمنها التي تتسع لفرد واحد وأخرى لفردين، وقد تم بناؤها بفضل المحسنين.
تمويل وتسيير شؤون مدرسة الكريمة
خلال السنين السابقة، كانت المدرسة تعتمد في تمويل وتسيير شؤونها المالية على الأعشار، حيث كانت قبيلة الكريمة كلها تخصص ثلث أعشارها للمسجد، فيحمل كل أسرة (كانون) أعشارها على ظهر الدابة إليه وتختزن في مطامر معروفة قرب المدرسة بدوار إخربان، ويعطى منها شرط الفقيه والمدرس. وكان عدد هذه الأسر يتراوح  ما بين 600 و700 وتتوزع على المداشر التالية: إخربان، إدحجاج، بوحوارا، إدجامع، إدلحاج، سيدي بوالفضايل، إشافوضن أفلا، إشافوضن إزدار، المكايم، إدهمو عمر، تاسغونت، إغالن، تاشتفوطت، إدبورمضان، إكر نسعيد، إدبهي علي وعكاف (إدهمو عبلا).
       بهذا الشكل كانت القبائل تتولى تسيير المدارس بما تحتاج إليه، وتنفق من أعشارها وهداياها المتواصلة على العلماء والمقرئين الذين يتمتعون بتقدير كبير من طرف السكان فهي تشاطرهم أجرة معلومة من محصولهم حبوبا وإداما زيتا أو سمنا أو هما معا. كما أن السكان لا يتدخلون في شؤون الطلبة، التي هي من اختصاص الفقهاء الذين يقومون في نفس الوقت بدور المفتين والقضاة للفصل بين المتخاصمين ونشر الأمن الروحي بين المواطنين والمحاطين بهالات من احترام وتقدير الجميع. كما أن الدولة في بعض الأحيان كانت تتدخل بالمساعدة والتمويل والتموين كما في العصر المريني وعصر الدولة العلوية إلى يومنا هذا حيث أصدرت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالرباط ظهير 13 01 ﺒ29 يناير 2002م تعلن فيه قرار الوزارة الصريح لإعانة الكثير من المدارس العتيقة بالموارد المالية وتقديم المنح والمكافآت المادية لطلبة العلم النجباء والمتفوقين، وتخصيص الأجور والتحفيزات للمدرسين.
وحسب الشهادات التي استقتها “الجنوبية للإعلام” من بعض الطلبة والقيمين على شؤون المدرسة، فإن الأسر الكريمية حاليا والتي يبلغ عددها 600 يساهمون بخمسين درهم لكل أسرة كل عام، أي ما يقارب 30 ألف درهم في السنة، وهذا المبلغ يكفي فقط لشهر ونصف الشهر من التمويل والتسيير، بحكم أن مجموع المصاريف الخاصة بالتموين (الخبز، اللحم، الخضر، زيت الزيتون، زيت المائدة، السكر والشاي، القطاني، الفواكه، الغاز، وسائل التطهير…) سنة 2001 بلغ 245 ألف درهما، أما مجموع مصاريف التسيير (الأواني، الأفرشة، بعض الإصلاحات…) خلال هذه السنة فبلغ 16 ألف درهما، وبالتالي يكون مجمل مصاريف المدرسة العلمية الكريمة خلال سنة 2001 ما يقارب 262 ألف درهم، دون احتساب المصاريف الاستثنائية لشهر رمضان من تمر وحليب وقهوة ودقيق.
مناهج التدريس بمدرسة الكريمة
إن أسلوب التدريس والتلقين بالمدرسة العملية العتيقة الكريمة لا يختلف كثيرا عن مناهج التعليم والتعلم بالمدارس العتيقة على الصعيد الوطني، فالعمل يبتدئ بها منذ الفجر ويستمر طول النهار وتعطى فيها الدروس بوتيرة تتراوح ما بين 8 و 9 من الدروس في اليوم.
    وفي هذا الصدد، أكد الفقيه الحاج محمد التوفيق أن نظام التدريس المتبع في مدرسة الكريمة ينقسم إلى قسمين، بالنسبة للمبتدئين، “ندرس لهم النحو والجمل والزاوي”. أما بالنسبة لطلبة العلم المتوسطين والكبار، فبعد صلاة الفجر يتوجهون إلى مجلس الفقيه كل طائفة ومؤلفها التي تدرسه وقد يتم تدريس العلم في الفترة الصباحية وباقي وقت النهار يكون للمطالعة والبحث في الكتب. ويضيف العلامة التوفيق أن “هؤلاء الطلبة يدرسون ألفية ابن مالك والرسالة لابن أبي زيد القرواني ومختصر خليل وابن عاشر في مجال الفقه. وفي مجال الأدب، تم إدراج مقامات الحريري والشمقمقية والطغرائية ولامية ابن الوردي ولامية العرب والمعلقات والضريدية والدالية، بالإضافة إلى استعادة بن كيران والجوهر المكنون والتلخيص في الشق الخاص بالبيان”. كما أدرجت الهمزية والبردة وقرة الأبصار وبنات سعاد لدراسة بعض مجالات السيرة النبوية الطاهرة، إضافة إلى دراسة الحديث النبوي وبعض كتب التفسير وعلم الحساب، خاصة الميراث. كما يستفيد بعض الطلبة من دروس خاصة في مجال علم الفلك للمقنع المرغيتي وعلم المنطق وعلم أصول الفقه حيث تم اعتماد مراقي السعود والورقات وجامع الجوامع. الكاتب: إبراهيم أكنفار (الهاتف 0668699190)