من جديد كانت مدينة تيزنيت على موعد مع فصل جديد من محاكمة عصابة البوليس، مازالت القضية حامية وكأنها في بدايتها الأولى، الغليان يسري بداخل قاعة الجلسات، كما بخارج أسوار المحكمة وتوج أول أمس برشق القوات العمومية بالحجارة من قبل مجموعات متفرقة، مصحوب بكر وفر نتجت عنه بعض التوقيفات في صفوف شبان، وقد تم إخلاء سبيلهم في حينه. ليتقرر في النهاية بع ساعة من النقاش تأجيل القضية، إلى جلسة اليوم الأربعاء كآخر مهلة يمنحها الرئيس للدفاع (الصورة من الأرشيف). تبدأ تفاصيل محاكمة أمس مند التاسعة صباحا، عندما بدأت التعزيزات الأمنية، تأخذ مكانها بالشارع المؤدي إلى المحكمة الابتدائية، ضاربة الطوق على الشوارع لمنع مسيرة كانت التنسيقة المحدثة على هامش هذه القضية تعتزم القيام بها، مجموعة من القوات استقدمت من مدينة أكادير بسبب النقص الحاصل بالمنطقة بعد الأحداث التي عرفتها مدينة سيدي إفني.
لم تقم تنسيقية الهيئات الحزبية والحقوقية والجمعوية بما خططت له لكن بالمقابل، خرجت الساكنة وتدفقت كعادتها نحو المحكمة مند الساعات الأولى من صباح أول أمس لتصطدم، بسلسلة من القوات العمومية، تمنع حت مجرد الاقتراب من الشارع المؤدي إلى المحكمة.
مجموعة من الغاضبين رفعوا شعارت مناوئة لعصابة البوليس، “بغينا بوليس لي يحمينا ماشي بوليس لي يشفرنا”، وفي حوالي الواحدة تكونت جموع من الساكنة بمختلف أطراف الشارع، وحاولت التوغل نحو المحكمة رغم أنف القوات العمومية، فحدث الاحتكاك برفع شعارات مناوئة للأمن، تلاها رشق بالحجارة، فبدأت مطارة مجموعات متفرقة داخل الشوارع من أجل إجلائها بعيدا عن المحكمة.
ولتفادي أخطاء الجلسة السابقة، تم إحضار مفتش الشرطة وعصابته مبكرا من السجن، واحتفظ بهم داخل المحكمة، وفي الثانية والنصف بالتحديد، بدأ رئيس الجلسة في المناداة عليهم، كلهم مثلوا في قفص الاتهام، مفتش الشرطة الزعيم، وحارس الأمن الساعد الأيمن، والضابط المزيف منفذ عمليات النصب، والسمسار خزان المعلومات ومالك اسرار الضحايا والعارف بنقط ضعف بعضهم، وكريمة الصنارة التي تجذب الضحايا لفخ العصابة. بالمقابل تخلف عن الحضور للمرة الثانية رئيس بلدية تيزنيت السابق، وأحد التجار وقد أدلى دفاعه من جديد بشهادة طبية.
تتبع الحضور أزيد من ساعة وربع من المداخلات الحامية والشجار بين طرفي الدفاع، دفاع الضحايا اعتبر القضية جاهزة للمناقشة، وأعطى الاستاذ كوغرابو حججه من بينها أن لا شيئ أضيف للملف، نفس المحاضر والوقائع والأشخاص. بينما الاستاذ بكار السباعي، دفاع المفتش التباع ومن معه أثار قضية إضافة تهم جديدة لموكليه من قبل النيابة العامة مطالبا بمهلة جديدة، للتواصل مع المتهمين وإعداد الدفوعات اللازمة. النيابة العامة اعتبرت نفسها غير ملزمة بإشعار الدفاع بأي تهمة تضيفها للمتابعين.
ومن التهم التي أضيفت إلى صك المفتش التباع من قبل وكيل الملك، الهجوم على مسكن الغير، ليلا، واستخدام شخص بقصد ممارسة البغاء، عن طريق استغلال سلطته رغم أنه مكلف بمحاربة البغاء، واستعمال وسيلة للتصوير بشكل غير قانوني. الحارس ياسين اضيفت له تهمة إخفاء شيء متحصل من جنحة، بعد حصوله على أموال من قبل عناصر الشبكة.
وفي نقطة أخرى، في إطار مداخلته، طالب الأستاذ كوغرابو من الهيئة القضائية إحضار المحجوزات التي عثر عليها ببيت مفتش الشرطة، وتم التشديد على الحاسوب الشخصي للمفتش التباع، وسايره في المطلب حتى دفاع المتهم التباع الأستاذ الحسين بكار السباعي مطالبا بإرفاق المحجوز بملف المتابعين.
النيابة العامة في تدخلها، أكدت أنها أرسلت المحجوزات إلى الإدارة العامة للأمن الوطني، وقد استغرب أحد أطراف الدفاع في تصريح للأحداث المغربية هذا الموقف، معتبرا المحجوز في ملك المحكمة، و يشكل عنصر إثبات، وقد يجر عدة رؤوس أخرى للمحاكمة، فكيف تخلت النيابة العامة عن الوسائل التي ستبني عليها العدالة أحكامها، فالمحجوز في ملكية العدالة ويشكل عنصر إثبات، واعتبر المتحدث الحاسوب بمتابة العلبة السوداء، وتصرف النيابة العامة خاطئ عند إرسالها الإثباتات نحو الإدارة العامة للأمن الوطني.
توافق دفاع الطرفين حول ” العلبة السوداء” المفتقدة في الملف سرعان ما تبخر، ليتحول إلى شجار بينهما، دفاع المتهمين المطالب بالتأجيل، ودفاع الضحايا المطالب بالدخول في صلب الموضوع ومناقشة جوهر القضية. وكان تدخل رئيس الجلسة حاسما، بعدما بدل مساعي للتوفيق بين الطرفين المتشاجرين، وتهدئتهما باعتبارهما زملاء، توصل الرئيس إلى إعطاء مهلة جديدة لا تتعدى 48 ساعة، وحسم القول بأن جلسة اليوم الأربعاء ستكون موعدا لمناقشة الجوهر والاستماع إلى المتهمين في الملف، والضحايا المتابعين بدورهم، وإلى الشهود، لطي هذا الملف ابتدائيا، وكان عديدون استغربوا كيف يتباع الموقوفون ابتدائيا رغم أن كل عناصر القضية تجعل منها ملفا جنائيا.
قضية عصابة البولس وصلت البرلمان المغربي من خلال سؤال كتابي موجه من قبل البرلماني الاتحادي، الحسن البنواري إلى وزير الداخلية، حول متابعة موظفين اثنين من المديرية الإقليمية للأمن بتزنيت بتهمة تشكيل عصابة للنصب والاحتيال، وتساءل البنواري عن الإجراءات المتخذة لضبط أبعاد الحدث وتحديد امتداداته، وعن الخطوات المتخذة من قبل وزارة الداخلية لإرجاع الثقة والاحترام بين المواطنين بتزنيت ومؤسسة الأمن.
إدريس النجار/ محمد بوطعام