مرت السنوات على أيت الرخاء، ومرت معها الوعود الزائفة لعدد من الوجوه الانتهازية التي ألفت مراكمة الثروات على حساب شعب أعزل لطالما حلم بأشياء كثيرة هي بطبيعة الحال ملك له، لكنها كانت حكرا على دعاة ولاية الأمور و تسيير المؤسسات، حتى أصبح المواطن الرخاوي أشبه بتلك الكراكيز التي تعرض للأطفال الصغار، تتحرك هنا وهناك لكن ليس عن هواها بل رغما عنها، لأن ثمة أيادي خفية متسترة تفعل بها ما تشاء.اليوم وصل العام الثاني عشر بعد الألفين، العام الذي كتب فيه للدول الأجنبية الغربية أن تدخل إلى قبيلة ‘‘ أيت الرخاء ’’ وتغزوها من بابه الواسع.قد تتساءل وتشك وتضع علامات استفهام كبيرة أمام الأمر لأن كلامي يعد ضربا من الخيال، لكنك إن كنت فعلا ترغب في معرفة ما إن تدخلت هذه الدول في المنطقة، فما عليك سوى أن تستقل ‘‘ سيارة الخطاف الطويلة ’’ من مدينة تيزنيت، وتزج بنفسك بين حشود البشر دون البحث عن كرسي هناك، لأن حافلات السيد الرئيس لم تعد تتحمل الطريق الوعرة وأصبح ما تبقى منها بمثابة تذكرة سفر إلى القبر، ولأن سيارات الأجرة ثمنها يفوق قدرة العبد ‘‘ الرخاوي ’’ الضعيف. تيزنيت بالمناسبة مقر العمالة قديما، قبل أن يستحدث إقليم جديد يدعى ‘‘ سيدي إفني ’’، إقليم يلزمك لزيارته أياما وليس ساعات، في أسوء مظاهر تقريب الإدارة من المواطن. ثم عليك إن كنت تود معرفة ذلك أن تتحمل عبء تلك الطريق المتفرعة من الطريق الوطنية والمسماة ‘‘ أكني ملولن ’’، هناك يكاد سواد الطريق ينتهي، لان العجلات فعلت به ما شاءت مند عشرات السنين دون أن تصله بعد عجلة الترميم والإصلاح.وعليك كذلك أن تتحمل وزر الحرارة المفرطة هذه السنة، والمرافقة برياح جافة ممرضة، ثم عليك إن كانت لديك سيارة أن تستجيب للمطالب المقدسة لرجال الدرك الدين ينصبون حاجزهم كل إثنين قبالة الباب الرئيسي لابتزاز مواطنين يدفعون عشرات الدراهم دون أن يعرفوا لماذا.وحتى تعرف عيلك أن تلف أطراف ملابسك حول أنفك وأنت تقطع الشارع الرئيسي لان بقايا الدجاج الذي يخلفه الجزارون وراءهم يزكم الأنوف، ثم عليك أن تقطع المستنقع النتن الذي تكونه تلك المياه الراكدة التي يتخلص منها أصحاب المقاهي بعشوائية.عندها ستجد في آخر المطاف مقهى انترنيت، نعم ‘‘ سيبير ’’ بين أكوام الريش والجلود المقرفة والكلاب الضالة.صراحة آخر المتفائلين بمستقبل أيت الرخاء ( وأنا واحد منهم) يضن أن ‘‘الفايسبوك ’’ و ‘‘ اليوتوب ’’ و ‘‘ الامسن ’’ سيعلنون ذات يوم أنفسهم ضيوفا على هذه القبيلة المغلوبة على أمرها، بقدرما كانوا يمنون النفس فقط في طريق سالكة تخرجهم من عوالم العزلة، وفي مدارس تضمن لأبنائهم تعليما مريحا، وفي مياه تقيهم شر السنوات العجاف، وفوق ذلك كله مسؤولون يعوون بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم، فقد أصبح الساسة هناك، أو بالأحرى دعاة السياسة لان هذه الكلمة أشرف منهم بكثير وحاشا أن تقترن بهم وهم لا يفرقون بعد بين الألف والباء، – أصبحوا – يتلاعبون بكل شيء وكأن تلك الجبال العالية تتستر عن جرائمهم البشعة. كتب ل ‘‘ أيت الرخاء ’’ إذن أن تقتحمها ثورة المعلوميات، أطفال صغار وشباب لا يعلن الصباح عن حلوله حتى يتأهبون للغوص في عالم الفايسبوك وغيرها من المواقع الاجتماعية، وحتى الفتيات لهن نصيب من هذه الشغف المنقطع النظير، تحدوهن رغبة أكيدة في معانقة العالم الخارجي ولو افتراضيا لساعة من الزمن أو أقل منها. لكن المنظر الذي يحز في نفسي عندما يتدافع الشباب في طابور طويل أمام نادي الإنترنيت من أجل حجز مكان مؤقت بين المسافرين في قطار العولمة، وآباؤهم في الجهة المقابلة في طابور آخر أمام دكان للموائد الغذائية في انتظار دورهم لاستلام حصتهم من الدقيق المدعم الذي كان ولا زال حكرا على طبقة دون غيرها هناك.