الخميس 14 نوفمبر 2024| آخر تحديث 1:17 10/28



في الحاجة إلى العلمانية أو الديمقراطية المفترى عليها

شكلت لحظة الأنوار بأوروبا مرحلة حاسمة في تاريخ البشرية، لما أسست له من صروح في البناء الديمقراطي معتمدة على مفاهيم افرزها الحراك السياسي و الفكري و الاجتماعي في دلك العصر. ومن بين تلك المفاهيم , مفهوم العلمانية .

لايهمنا هنا إعطاء تعريف للعلمانية  ، بقدر ما يهمنا ما استفادته الشعوب الأوربية من تطبيقات هدا المفهوم في الحقل السياسي , حيث تمكنت جراء دلك من تحرير نفسها من سلطة الكنيسة التي كانت توظف الدين في دعم نفوذها بتحالف مع الإقطاع ، لاستغلال الإنسان والثروات . وشكلت الثورة الفرنسية حدا فاصلا بين عهود الإقطاع و الاستبداد وعهود الحرية و الانعتاق, ولم يكن دلك ليتأتى لولا وعي المواطن الفرنسي بأهمية العلمانية . مع انه تجدر الإشارة إلى إن العلمانية لم تكن حصيلة النضج الفلسفي الأوروبي  وحده أنداك بل  له جذور في حملات الإصلاح الديني الذي قاده رجال من أمثال كالفن و مارتن لوثر . وهكذا تظارفت جهود الفلسفة ، والإصلاح  الديني ، لتأسيس وعي جديد و رؤية جديدة للعالم أساسها التفكير في ما هو نسبي بما هو نسبي, والنسبي هنا يعني الزمني المتغير بمعنى آخر حياة المواطنين في علاقة بعضهم ببعض وفي علاقتهم بالدولة.

ومن خلال ما سبق, يتضح انه لا يمكن أن نتصور الديمقراطية بدون أساس علماني , وحيث أن السياسة هي تدبير الشأن اليومي للمواطن , فلا بد أن تقترن بالحساب و المحاسبة ،الشيء الذي يبدو مستحيلا عندما يتم خلط السياسة بالمقدس .

وهنا يطرح السؤال: هل العلمانية ضد المقدس ؟ الجواب طبعا لا . لأن النظم الديمقراطية العلمانية لاتلغي حق المواطن في ممارسة شعائره , بل ترعاها و تحميها ويبدو دلك جليا في الأنظمة الديمقراطية الغربية حيث توجد المساجد و الكنائس جنبا إلى جنب , وتمارس الهيئات و المؤسسات السياسية الأخرى مهامها بشكل سلس على قاعدة نسبية الحقيقة , مما يجعل الأحزاب تتنافس بشكل خلاق و مبدع في خدمة قضايا أوطانها و مواطنيها .

هدا التقديم يفرض علينا التساؤل حول صدقية الأنظمة السياسية في العالم الإسلامي في تبني خطاب الديمقراطية.لا يحتاج المرء هنا إلى كبير عناء ليجيب بالنفي لان الواقع اليومي المعيش يؤكد عكس دلك ، و لا يمكن لهده الأنظمة أن تتخلى عن مبرر وجودها الذي هو المقدس مما يجعل الديمقراطية عندها مجرد أوهام أو خطاب للاستهلاك الداخلي و الخارجي ، وإذا أظفنا إلى دلك التهديد الذي تمثله الحركات الدينية المتطرفة على مستقبل الديمقراطية في العالم الإسلامي , فان مشروع الديمقراطية يتطلب في بنائه نفسا طويلا يقتضي إصلاحات عميقة و جذرية في المنظومات السياسية و التربوية التي تؤطر مجال الحياة في هذه البلدان ودلك بالتأسيس لوعي إسلامي جديد و متجدد يستلهم  الإرث العقلاني: ألمعتزلي و الفلسفي و النهضوي و يستوعب إشكالات المرحلة ويجيب عنها و فق ما يقتضيه روح العصر .

غير انه إذا كان من غير الممكن التعويل على الأنظمة السياسية لمباشرة هذه الإصلاحات من تلقاء نفسها ، فانه لا يمكن كذلك تجاهل التهديد الذي تشكله الحركات الدينية المتطرفة في هذه المرحلة بالذات . لذلك فان مهام البناء الديمقراطي مطروحة على كل التيارات التنويرية و الحداثية و التيارات الإسلامية المتنورة ، مما يقتضي التوحد على أرضية فكرية تتأسس على مبادئ التفكير النقدي و نسبية الحقيقة ، و تستهدف  تجديد و عي المواطن و ترسيخ قيم الحداثة وشمولية وكونية حقوق الإنسان.

احمد الطالبي
تيزنيت