عبد الله القسطلاني *
علقت الجماهير على ثورات الربيع الديمقراطي الامال الكبيرة من أجل إحداث التغيير الحقيقي، الذي يمكن الشعوب من العيش في وطن تضمن فيه حقوقهم بعد أن انتزعوها انتزاعا، ولم يتفضل بها أو يمن بها أحد عليهم. أكيد أن نخبنا في المستوى المطلوب من الوعي، بالقياس إلى زمن الماضي لإدراك ما تحتاجه البلاد بعد دعوات التغيير، وهذا الامر يؤشر على أن يعمل الجميع على تجاوز ما يمكن أن يعيدنا إلى الوراء، وهو,,,
ما يتمناه أعداء التغيير، أن نعود إلى الوراء كي ينتعشوا من جديد لأن مصالحهم وامتيازاتهم مرتبطة بزمن الفساد والتحكم ، وعليه رغبت من خلال مقال هذا الاسبوع أن أثير انتباه هذه النخب إلى تجنب التقليد والمحاكاة، فكل ما يقع في بلدان الثورات التي اسقطت أنظمة الاستبداد ليس بالضرورة صالح لنا في بلدنا المغرب ، وحتى لا يفهم مما اكتبه أنني أصادر المخالفين لرأيهم، ومنعهم من إبداء مواقفهم من خلال المسيرات والوقفات والاحتجاجات، فكل ذلك محمود لأنه يعبر عن مدى وجود حرية الرأي التي طالما كبثها المتسلطون والمتحكمون، وهي مرآة لمسيري الشأن العام التي يحتاج إليها المسيركسائق بشكل دائم. وقد نرى هنا وهناك احتجاجات وردود أفعال قد تكون مزاجية، وقد لا تحمل أية مطالب، بل تكون في الامر مزايدة، وهذا ديدن المعارضة في جميع البلاد الديمقراطية، لأنها غير راضية على تسيير من وصل إلى الجهاز التنفيذي، والامر يعود مرة أخرى إلى مبدأ التنافسية.
هل نرضى لبلدنا محاكاة لما يجري في بلدان الجوار؟ قد يعتبر الامر محاكاة اللامبالاة الذي يقبر برامج التنمية والاقلاع الاقتصادي، ويرحل الاستثمارات، التي يمكن أن توفر فرصا للشغل، في ظرف عالمي تتحكم فيه الازمة التي هي سيدة الموقف.
ليس باستطاعة أحد مهما كان أن يوقف مسار التحول الديمقراطي بعد أن تنفس المجتمع نسيم الحرية، المجتمع لم يعد يخشى ( الفلول) بتعبير المصريين الراغبين في عودة التحكم في رقاب وأرزاق العباد، لأن حركية المجتمع لا يظنن هؤلاء أنها ستخفت أو تنطفئ جذوتها ولو كانت حركتها حركة بطيئة بطئا شديدا، يوهم الواهمين أنها ستنطفئ ، فهي حسب فلسفة الزمن لن تتوقف، لأن الحركية هي انتقال من حال إلى حال في إطار الزمان والمكان، ولا يمكن لأي كان أن يغير السنن الكونية.
دعونا نستمر في التفاؤل الذي أنتجه الحراك الاجتماعي، ولا نسمح لليأس أن ينساب إلى نفوس أفراد المجتمع، ولتستمر الحركية في المجتمع لأن مع الحركية الاجتماعية إنتاج يجعل المجتمع والهيئات في حركة مستدامة، تولد تحولات جديدة مليئة بالمتغيرات، وغالبا ما تكون نتائج المتغيرات مسجلة ضمن المطالب الاجتماعية التي لا تنتهي، وهذا أمر محمود، لأنه الحركية الفاعلة لا تنشأ في مجتمع ساكن وراكد، لكن الذي نخشاه بشكل جدي ألا نستطيع حماية ما وصلنا إليه من تحولات بعد الحراك الاجتماعي، ونجعل الناس تحس أننا نعيد إنتاج الفشل وهذا ما يريده (الفلول) .
نعم للاحتجاج لمزيد من المطالب والمكاسب والحريات، لا لمنع التظاهروالمسيرات، لكن لا للمحاكاة حتى لا نعيد إنتاج الفشل الذي نحن في غنى عنه ، وكثير من يريده لنا داخليا وخارجيا.
* كاتب صحافي