الخميس 14 نوفمبر 2024| آخر تحديث 9:49 11/15



هفوات للاستدراك في الاصطلاح السياسي

ذ.خــالـد ديــــــــن*                                                                       
 إذا كانت السياسة تعني السعي إلى السلطة و ممارستها لتدبير شؤون المجتمع إما في إطار تمثلات معرفية نظرية أو وفق تصورات عملية واقعية, فان بناء جهاز مفاهيمي و اصطلاحي دقيق يشكل أساس هذه التمثلات و التصورات.
 
جاء دستور المملكة المغربية الجديد بمصطلحات و مفاهيم مازال العديد يخلط فيما بينها سواء من المحللين أو الإعلاميين, بل و حتى منتسبي الأحزاب السياسية أنفسهم. و من بين القضايا التي حظيت بهذا الخلط المجانب للصواب قضية الجهوية و التنظيم الترابي للمملكة, فتارة نسمع عن جهوية متقدمة و أخرى عن جهوية موسعة, بل و كثيرا ما يتم الجمع بينهما في سياق واحد. فما الفرق بينهما؟ و ما الكلمة الأنسب للتداول؟
 
نقرأ في الفصل الأول من الباب الأول لدستور المملكة أن ” التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لامركزي, يقوم على الجهوية المتقدمة”. فالجهوية المتقدمة هي متقدمة على ما قبلها كما تدل على ذلك الكلمة, بمعنى أنها جهوية تزيد من اختصاصات الجهات و مجالسها فيما يخص السياسات الاجتماعية و الاقتصادية مع الدفع بالمصاحبة الإدارية و المالية للمركز. هذا بالإضافة إلى إضفاء نفحة سياسية جديدة عليها بتقوية مبدأي التدبير الحر و تفريع الاختصاصات في سياق تضامني بين الجهات. وفي المقابل, نجد أن الجهوية الموسعة هي بالأساس بناء سياسي يتمحور حول لامركزية شاملة و تنظيم فدرالي يقتضي وجود حكومات و برلمانات و مؤسسات جهوية ذاتية الاختصاصات كما هو عليه الحال في النظام الفدرالي الأمريكي أو الاسباني أو الألماني.
 
فالأنسب إذن, و انطلاقا مما سبق, أن نستعمل مصطلح الجهوية المتقدمة كما نص عليها الدستور و كما جاء في الخطابات الملكية السامية, خاصة و أن المصطلحين متباعدين فيما بينهما سياسيا و قانونيا و تنظيميا.
 
نفس الخلط يقع أيضا, و إن بدرجة أقل وقعا, بين مصطلحي تنزيل الدستور و تفعيله. فمفردة  ” تنزيل ” تحيل على إنزال الشيء من مكانه إلى ما دونه, وأكيد أنه ليس هذا ما نريده لدستورنا الجديد. وعموما, يراد باستعمال هذا المصطلح تنزيل مضامين الدستور على أرض الواقع و تحويلها إلى قوانين . غيرأن انتظارات المواطنين أعمق و أقوى, ذلك أنهم يأملون من المؤسسة التشريعية أن تقدم “تفعيلا” لمضامين الدستور و “تأويلا” لفصوله و “أجرأة” لقوانينه و “استقراءا” لروحه, لا تنزيلا جامدا لأحكامه و إفراغا لحمولته. فشتان بين أن نحكم حسب منطوق نص القانون و أن نحكم حسب روح القانون, وفقهاء القانون أدرى بذلك و أعلم.
 
و أنا أتابع هذا المزج الصريح بين جملة من المفاهيم و المسميات أستحضر أهمية اللغة في علاقتها بالخطاب السياسي عموما. فالمصطلحات و النصوص السياسية بديهيا هي عبارة عن بنيات لغوية, لكن هذه البنى تحتفظ لنفسها بشفرتها الخاصة بها التي إن وظفت في غير مقامها و أخرجت من سياقاتها فقدت دلاليتها . و ما أبلغ أرسطو حين قال: ٌ لا يكفي أن يعرف المرء ما ينبغي أن يقال, بل يجب أن يقوله كما ينبغيٌ.
 
   * أستاذ اللغة الانجليزية بالثانوي التأهيلي.