عبد الله القسطلاني*
تشكيل الطبقة السياسية بمرجعيات وإديولوجيات مختلفة جاء نتيجة انتماء الساسة للعديد من المدارس السياسية ليبرالية يمينية ، اشتراكية يسارية، وذلك بالاعتماد على مذاهب اشتهرت لدى العديد من الدول، والتي بلغت أوجها بعد أن كانت تتبنى النموذج اللبرالي أو الاشتراكي، الانتساب لأي مدرسة من المدارس السياسية المذكورة أوالحالية بتجاربها وما تقدمه من خيارات شعبية، ليس عيبا بل هو واجب، لأن التنوع في الانتماء والاختيار هو ما يمنحنا نخبا سياسية تفكر وتخطط لتدبير الشأن العام انطلاقا من البرامج المسطرة في مختلف المجالات والميادين، وقد لا تكون هذه الاختيارات صالحة لتربة بلد معين، على الرغم من طموح أصحابها وحماسهم لتطبيقها والدفاع عنها بالغالي والنفيس، ترى لماذا تفشل بعض من البرامج والمخططات المؤدلجة ؟ هل لأنها ليست من بنات أفكار نخبنا السياسية ؟ هنا يحضرني حدث تهافت مؤرخي العرب الذين حاول البعض منهم الانتساب لإحدى المدارس الاوربية في تفسير التاريخ ( ماركس ، توينبي…) ورغم هذا الانبهار / الاستلاب، ظل كثير من هؤلاء يكتبون بطريقة لا تختلف كثيرا عن كتابة المؤرخ العربي الجبرتي، مناسبة هذا الاستحضار ليس للاعتزاز بالنفس للانتماء العرقي أو اللغوي أو الانتقاص من الغير، لكن أردت من خلاله أن أظهر أن نخبنا السياسية ممكن أن يكون لها مذهب ليس بالضرورة مستوردا، وقد يكون أصيلا ومن تربة البلد.
فالنخب السياسية التي تحدثنا عنها بما هي فاعل محرك للاحداث من خلال برنامج طموحة، تريد الفوز بثقة الشعب من خلال آلية الديمقراطية ليتوج ساستها مسؤولين لتدبير الشأن العام، عندها بطبيعة الحال لا أحد يرغب في أن تعرف التجربة التي يتبناها ويدافع عنها،أن تعرف ترقيعات أو ما يسمى بالبريكولاج فالبرنامج برنامج، إما أنه صالح للتطبيق ولإسعاد الشعب، أو أن من خطط له وسطره لم يكن موفقا إلى حد كبير في تقديراته وحساباته واختياراته، وكما أنه بنفس الحماس لا يقبل الوقوف في وجه تنفيذ هذه الاختيارات،باعتماد سياسة البلوكاج الذي لايسمح لأي شيء بالتقدم في أي اتجاه، وهو ما يعني الازمة، معها تخنق الحياة السياسية وييأس الساسة، ويمل الشعب ويصبح الجميع يدورفي حلقة مفرغة.
مناسبة الحديث عن البلوكاج والبريكولاج في السياسة وتدبير الشأن العام في هذا المقال أمران إثنان : أولهما حكومي / تدبيري، ويتعلق الامر بقانون المالية لسنة 2013 الذي أعدته حكومة بنكيران، والذي وصفته المعارضة وتحديدا الاتحاد الاشتراكي من خلال تصريح حبيب المالكي على أن قانون المالية أفضل وصف يمكن أن يوصف به هو قانون البريكولاج (الترقيعات)، الذي لا يخضع لمنطق اقتصادي متكامل، وغير قابل للمناقشة، لانه حسب المالكي التجأ للحلول السهلة، أما شق البلوكاج في الموضوع فأعتقد أنه هو ما تسعى إليه المعارضة، حسب بعض المؤشرات الواقعية، وبعد التأكد من أن شعبية العدالة والتنمية لم تنل منها ضربات نتجت عن الزيادة في البنزين، ومؤشر ذلك الانتخابات الجزئية الاخيرة، التي أكدت عكس ما يخطط له من وراء الستار، الراغبون الحقيقون في البلوكاج . نتمنى ألا يكون ساسة الاتحاد منخرطون في موضوع البلوكاج وبالمناسبة لا نصادر حقهم في المعارضة من أجل تقويم ” الاعوجاج ” الحكومي.
ثانيهما : سياسي/ تنظيمي ويهم بالدرجة الاولى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مع اقتراب محطته النضالية ـ انعقاد مؤتمره الوطني ـ واستسمح حبيب المالكي أن استعير منه مصطلح البريكولاج لأتير انتباه الاتحاديين ألا يقبلوا بهذا التوجه ( الترقيعات ) خلال مؤتمرهم لتدبير الازمة التي يعيشها الاتحاد كما أننا لا نقبل جميعا وهم متفقون معنا في ذلك من أن تقدم لنا الحكومة قانونا ماليا مرصع بالبريكولاج، وعند عدم قبول الاتحاديين من أن تنساب إليهم فكرة البريكولاج، سيتوصلون خلال نقاشات المؤتمر إلى حل للخروج بقيادة موحدة قوية قادرة على إعادة بناء التنظيم المؤهل لإعادة إنتاج خيارات وبرامج يحبدها الشعب، تنال رضاه وينال بها الاتحاديون ثقة الشعب، وفي حال فشل الاتحاديين في ذلك، لا محالة أنهم سيصلون مرحلة البلوكاج، التي ستدفعهم إلى ترك أشغال المؤتمر مفتوحة من أجل إيجاد حل لأزمة حزب أدى ثمن تماهي قيادته ووزرائه في ماهو تدبيري، متناسين بذلك تنظيمهم السياسي الذي يمدهم بالقوة الشعبية والجماهيرية، نتمنى ألا يصل الاخوة في الاتحاد الاشتراكي لا إلى مرحلة البريكولاج ولا لمرحلة البلوكاج بل نريد أن نرى حزبا قويا يشرف نخبنا السياسية بتجربة تنضاف إلى الصورة المشرفة التي تركها حزب العدالة والتنمية بعد مؤتمره السابع شرفت المغرب والمغاربة.
* كاتب وصحافي